و قدرة،
إذ کل انسان خلق بحیث یوافقه بعض الأمور و یلائم غرضه، و یخالفه بعض
الأمور، فاحتاج إلی جلب الموافق و دفع المخالف المنافی، و هو موقوف علی
ادراک الملائم النافع، و المنافی الضار، إذ ما لم یعرف الشیء لم یعقل طلبه
أو الهرب عنه، و هو العلم، و علی المیل و الرغبة و الشهوة الباعثة علیه، و
هو الشوق، إذ من أدرک الغذاء أو النار لا یکفیه ذلک للتناول و الهرب، ما
لم یکن شوق إلی التناول و الهرب، و علی القصد و الشروع و التوجه إلیه، و هو
النیة، إذ کم مشاهد للطعام راغب فیه شائق إلیه لا یریده لکونه مؤذیا او
حراما او لعذر آخر، و علی القدرة المحرکة للأعضاء إلیه- أی إلی جلب الملائم
أو دفع المضار- و بها یتم الفعل، فهی الجزء الأخیر للعلة التامة التی بها
یتم فعل الفاعل المختار، فالأعضاء لا تتحرک إلی جانب الفعل و لا توجده إلا
بالقدرة، و القدرة تنتظر النیة، و النیة تنتظر الداعیة الباعثة- اعنی
الشوق-، و الشوق ینتظر العلم أو الظن بکون ما یفعل موافقا له، فان کان
الشوق صادرا عن القوة البهیمیة، بأن یکون الفعل مما تقتضیه هذه القوة،
کأکل، و شرب، و جماع، و کسب مال، و أمثال ذلک من الالتذاذات الشهویة، کانت
النیة و القصد أیضا متعلقة بهذه القوة معدودة من فضائلها او رذائلها، و إن
کان مما تقتضیه القوة السبعیة: من دفع موذ، أو طلب الاستعلاء، أو تفوق، و
أمثال ذلک، کانت النیة أیضا متعلقة بهذه القوة معدودة من فضائلهما أو
رذائلهما، و قد ظهر بما ذکر: أن المحرک الأول هو الغرض المطلوب- أعنی
المقصود المنوی بعد تعلق العلم به- و هو الباعث الأول، و ینبعث منه الشوق و
هو الباعث الثانی، و یتولد منه القصد و النیة و هو الباعث الثالث المحرک
للقدرة الباعث لانتهاضها علی تحریک الأعضاء إلی جانب العمل.