اسم الکتاب : شرح توحید صدوق المؤلف : القمي، القاضي سعيد الجزء : 1 صفحة : 137
قال الأزهري [1]: المعروف الكثير انّ «الغابر» بمعنى
الباقي فيصير المعنى انّ بقائه سبحانه هو الذي يحدّد وجود ما سواه و يجعل كلّ واحد
في درجته و يعيّن له مرتبة وجوده إذ ببقائه يستبقي كلّ شيء على حسب استعداده،
بدوامه دامت السّماوات و الأرضون. و في الخبر: «لا يتقدّم متقدّم إلّا باللّه و لا
يتأخّر متأخر الّا به». و المثال الحسّي لذلك- و إن كان هو مقدّسا عن الأمثال و
الأشباه- الخيط الممتدّ المحاذي لألف خردلة متتالية، فانّه يعيّن درجات وجود كلّ
واحد من الخرادل و اللّه سبحانه محيط بالأشياء و ليس فيه عزّ شأنه امتداد و
انبساط، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا.
و أمّا على
النسخة الثانية، فالمعنى انّ بقائه عبارة عن تجديده الخلق في كلّ آن لأنّه كل يوم
في شأن [2] و لا يتكرّر الشأن في آنين [3]. بيان ذلك:
انّ العالم منذ ابتدأ من المبدأ الأوّل فهو في الحركة الذاتيّة و السّيلان
السّرمديّ إلى أن يصل إلى [4] جوار اللّه و يعود إلى ما بدأ منه «أَلا
إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ».
و التبيان
العلميّ لذلك، أنّ للعالم جهتين:
جهة إلى نفسه
و هو موطن الهلاك و الزّوال و مبدأ البطلان و الاضمحلال؛ و جهة إلى جاعله القيّوم
الّذي منه استنار كلّ موجود و به ظهر الوجود، فله في كلّ آن عدم من نفسه و وجود من
فاعله و لو لا ذلك لاستغنى هو عن جاعله.
و لعمري انّ
إجراء هذا السّيلان في الجسمانيّات ظاهر لكن يشكل الأمر في الأمور العالية الّا أن
يقال بالحركة المعنوية. و فهم ذلك عسير جدّا و لهذا ترى
[1] .
و هو أبو منصور محمّد من علماء اللّغة، في كتاب «التهذيب».