اسم الکتاب : نافذة على الفلسفة المؤلف : الساعدي، صادق الجزء : 1 صفحة : 160
الموجودة فيها منذ
زمن سحيق ، وحيث أنها لم تكن كذلك بل تنتظر يوماً موعوداً ، فالمادة إذاً حادثة
وليست قديمة. [١]
إلاّ أنّ الأولى أن يُقال ، وكما ألمحنا
فيما تقدم : [٢]
إن أزلية وقدم موجود ما لا تمنع من
حاجته إلى علة توجده وتمنحه الغنى ، لأن السرَ في رجوع المعلول إلى علته إمكانه
واحتياجه ، فإذا ثبت لموجود من الموجودات أنه ممكن ـ محتاج ـ ، فلا شك حينئذٍ في
لزوم رجوعه إلى علة تمنحه الغنى والتحقق.
وقد أثبت الفلاسفة من خلال بحوثهم أن
المادة العلمية [٣]
لا يصح أن تكون منشأً لنفسها ولا حتى للظواهر المرتبطة بها لائتلافها من مادة
وصورة ، ولا يمكن لكلٍ من المادة والصورة أن توجد مستقلة عن الأخرى ، فيجب أن يوجد
فاعل أسبق لعملية التركيب ، تلك التي تحقق للموجودات المادية وجودها ، وذلك لأن
المركب الجامع للمادة والصورة محتاج إليهما وكل جزء محتاج إلى الآخر ، [٤] فلا يوجد من بينهم ما هو غني بذاته
ووجوده ، فيبقى الافتقار حاكماً وقاضياً بوجود علة غنية تُعدُّ محطة تنتهي إليها
قافلة الموجودات الإمكانية لتضخها بالوجود والتحقق. «ومثال ذلك : أن العلوم
الطبيعية تبرهن على إمكان تحويل
[١]ـ المؤلف ، أصول
الدين بين السائل والمجيب. ص ٢٨ ـ ٢٩ ، ط أولى.
[٣]ـ المقصود من
المادة العلمية كل ما يخضع للحس والتجربة ، كما يوجد اصطلاح آخر للمادة ، وهو
اصطلاح فلسفي ، والذي يعبّر عنه بالهيولا أو المادة الأولى. وقد تقدم الكلام عن
الاصطلاح الفلسفي في الدرس السابع. فراجع.
[٤]ـ وبهذا البيان
يتضح أن الله تعالى يستحيل أن يكون مركبا؛ للزوم احتياجه إلى أجزائه واحتياج كل
جزءٍ إلى الجزء الآخر ، ومن هنا فإنه تعالى مجردٌ لا مادي.
اسم الکتاب : نافذة على الفلسفة المؤلف : الساعدي، صادق الجزء : 1 صفحة : 160