اسم الکتاب : الطبّ النبوي المؤلف : ابن قيّم الجوزية الجزء : 1 صفحة : 6
وقد اتفق الأطباء على أنه متى أمكن
التداوي بالغذاء : لا يعدل إلى الدواء ، ومتى أمكن بالبسيط : لا يعدل إلى المركب.
قالوا : وكل داء قدر على دفعه بالأغذية والحمية ، لم يحاول دفعه بالأدوية. قالوا :
ولا ينبغي للطبيب أن يولع بسقى الأدوية [١]
، فإن الدواء إذا لم يجد في البدن داء يحلله ، أو وجد داء لا يوافقه ، أو وجد ما
يوافقه فزادت كميته عليه أو كيفيته ـ : تشبث بالصحة وعبث بها.
وأرباب التجارب من الأطباء طبهم
بالمفردات غالبا ، وهم أحد فرق الطب الثلاث :
والتحقيق في ذلك : أن الأدوية من جنس
الأغذية ، والأمة والطائفة التي غالب أغذيتها المفردات : أمراضها [٢] قليلة جدا ، وطبها بالمفردات. وأهل
المدن الذين غلبت. عليهم الأغذية المركبة ، يحتاجون إلى الأدوية المركبة. وسبب ذلك
أن أمراضهم في الغالب مركبة ، فالأدوية المركبة أنفع لها. وأمراض أهل البوادي
والصحاري مفردة : فيكفي في مداواتها الأدوية المفردة. فهذا برهان بحسب الصناعة
الطبية.
ونحن نقول : إن ههنا أمرا آخر نسبة طب
الأطباء إليه ، كنسبة طب الطرقية والعجائز إلى طبهم. وقد اعترف به حذاقهم وأئمتهم.
فإن ما عندهم من العلم بالطب ( منهم ) من يقول : هو قياس ، ( ومنهم ) من يقول : هو
تجربة ، ( ومنهم ) من يقول : إلهامات ومنامات وحدس صائب ، ( ومنهم ) من يقول : أخذ
كثير منه [٣]
من الحيوانات البهيمية ، كما نشاهد السنانير إذا أكلت ذوات السموم : تعمد إلى
السراج ، فتلغ في الزيت تتداوى به. وكما رؤيت الحيات إذا خرجت من بطون الأرض ـ وقد
غشيت أبصارها ـ : تأتى إلى ورق الرازيانج ، فتمر عيونها عليها. وكما عهد من الطير
الذي يحتقن بماء البحر عند انحباس طبعه. وأمثال ذلك : مما ذكر في مبادئ الطب.
[١] عند وجود مرض
معين ، يجب استعمال الدواء اللازم بدون إسراف. لان كل دواء سلاح ذو حدين يفيد
المريض من المرض من ناحية ، فإن زادت كميته وجرعته وطالت مدة استعماله : فربما
يؤدى إلى مرض أي عضو من أعضاء الجسم السليمة. ويوجد كثير من الأمراض لا يحتاج
علاجها إلى أكثر من الراحة التامة ، ونظام معين في التغذية. اه د.
[٢] كذا بالأصل. وفى
الزاد : « فأمراضها ». وكل صحيح.
[٣] هذه الكلمة
ساقطة من الزاد ، وهى متعينة أو جيدة.
اسم الکتاب : الطبّ النبوي المؤلف : ابن قيّم الجوزية الجزء : 1 صفحة : 6