اسم الکتاب : الطبّ النبوي المؤلف : ابن قيّم الجوزية الجزء : 1 صفحة : 7
وأين يقع هذا وأمثاله من الوحي يوحيه
الله إلى رسوله بما ينفعه ويضره؟! فنسبة ما عندهم من الطب إلى هذا الوحي : كنسبة
ما عندهم من العلوم إلى ما جاءت به الأنبياء. بل ههنا من الأدوية التي تشفى من
الأمراض ، ما لم يهتد إليها عقول أكابر الأطباء ، ولم تصل إليها علومهم وتجاربهم
وأقيستهم ـ : من الأدوية القلبية والروحانية ، وقوة القلب ، واعتماده على الله ، والتوكل
عليه ، والالتجاء إليه ، والانطراح والانكسار بين يديه ، والتذلل له ، والصدقة
والدعاء ، والتوبة والاستغفار ، والاحسان إلى الخلق ، وإغاثة الملهوف ، والتفريج
عن المكروب. فإن هذه الأدوية قد جربتها الأمم ـ على اختلاف أديانها ومللها ـ فوجدوا
لها : من التأثير في الشفاء ، ما لا يصل إليه علم أعلم الأطباء ، ولا تجربته ، ولا
قياسه.
وقد جربنا نحن وغيرنا من هذا أمورا
كثيرة ، ورأيناها تفعل ما لا تفعل الأدوية الحسية ، بل تصير الأدوية الحسية عندها
بمنزلة الأدوية الطرقية عند الأطباء. وهذا جار على قانون الحكمة الإلهية : ليس
خارجا عنها. ولكن الأسباب متنوعة : فإن القلب متى اتصل برب العالمين ، وخالق الداء
والدواء ، ومدبر الطبيعة ومصرفها على ما يشاء ـ : كانت له أدوية أخرى غير الأدوية
التي يعانيها القلب البعيد منه ، المعرض عنه. وقد علم أن الأرواح متى قويت وقويت
النفس والطبيعة : تعاونا على دفع الداء وقهره ، فكيف ينكر لمن قويت طبيعته ونفسه ،
وفرحت بقربها من بارئها وأنسها به ، وحبها له ، وتنعمها بذكره ، وانصراف قواها
كلها إليه ، وجمعها عليه ، واستعانتها به ، وتوكلها عليه ـ أن يكون ذلك لها من
أكبر الأدوية ، وتوجب لها هذه القوة دفع الألم بالكلمة؟! ولا ينكر هذا إلا أجهل
الناس ، وأعظمهم حجابا ، وأكثفهم نفسا ، وأبعدهم عن الله وعن حقيقة الانسان [١]. وسنذكر ـ إن شاء الله ـ السبب الذي به
أزالت قراءة الفاتحة داء اللدغة عن اللديغ ، التي رقى بها فقام حتى كان ما به قلبة
[٢].