اسم الکتاب : الطبّ النبوي المؤلف : ابن قيّم الجوزية الجزء : 1 صفحة : 5
وللبدن ثلاثة أحوال : حال طبيعية ، وحال
خارجة عن الطبيعية ، وحال متوسطة بين الامرين. فالأولى بها يكون البدن صحيحا ، والثانية
يكون بها مريضا ، والحال الثالثة هي متوسطة بين الحالتين : فإن الضد لا ينتقل إلى
ضده إلا بمتوسط [١].
وسبب خروج البدن عن طبيعته : إما من
داخله ، لأنه مركب من الحار والبارد ، والرطب واليابس. وإما من خارج : فلان ما
يلقاه قد يكون موافقا ، وقد يكون غير موافق.
والضرر الذي يلحق الانسان قد يكون من
سوء المزاج : بخروجه عن الاعتدال ، وقد يكون من فساد العضو ، وقد يكون من ضعف في
القوى أو الأرواح الحاملة لها ويرجع ذلك إلى زيادة ما الاعتدال في عدم زيادته ، أو
نقصان ما الاعتدال في عدم نقصانه ، أو تفرق ما الاعتدال في اتصاله ، أو اتصال ما
الاعتدال في تفرقه ، أو امتداد ما الاعتدال في انقباضه ، أو خروج ذي وضع وشكل عن
وضعه وشكله : بحيث يخرجه عن اعتداله.
فالطبيب هو الذي يفرق ما يضر بالانسان
جمعه ، أو يجمع فيه ما يضره تفرقه ، أو ينقص منه ما يضره زيادته ، أو يزيد فيه ما
يضره نقصه. فيجلب الصحة المفقودة ، أو يحفظها بالشكل والشبه ، ويدفع العلة
الموجودة بالضد والنقيض ويخرجها ، أو يدفعها بما يمنع من حصولها بالحمية. وسترى
هذا كله في هدى رسول الله صلىاللهعليهوسلم
شافيا وكافيا ، بحول الله وقوته ، وفضله ومعونته.
( فصل )
فكان من هديه صلىاللهعليهوسلم
: فعل التداوي في نفسه ، والامر به لمن أصابه مرض من أهله أو أصحابه [٢]. ولكن لم يكن من هديه ولا هدى أصحابه ،
استعمال هذه الأدوية المركبة التي تسمى : أقراباذين [٢]. بل كان غالب أدويتهم بالمفردات ، وربما
أضافوا إلى المفرد ما يعاونه ، أو يكسر سورته. وهذا غالب طب الأمم على اختلاف
أجناسها : من العرب ، والترك ، وأهل البوادي قاطبة. وإنما عنى بالمركبات الروم
واليونانيون. وأكثر طب الهند بالمفردات.