اسم الکتاب : الطبّ النبوي المؤلف : ابن قيّم الجوزية الجزء : 1 صفحة : 54
ولو كشف الغطاء : لرأيت أكثر النفوس
البشرية صرعى مع هذه الأرواح الخبيثة ، وهى في أسرها وقبضتها : تسوقها حيث شاءت ، ولا
يمكنها الامتناع عنها ، ولا مخالفتها ، وبها الصرع الأعظم : الذي لا يفيق صاحبه
إلا عند المفارقة والمعاينة. فهناك يتحقق : أنه كان هو المصروع حقيقة. وبالله
المستعان.
وعلاج هذا الصرع : باقتران العقل الصحيح
إلى الايمان بما جاءت به الرسل ، وأن تكون الجنة والنار نصب عينه ، وقبلة قلبه ، ويستحضر
أهل الدنيا وحلول المثولات [١]
والآفات بهم ، ووقوعها خلال ديارهم : كمواقع القطر ، وهم صرعى لا يفيقون.
وما أشد أعداء هذا الصرع. ولكن لما عمت
البلية به بحيث [٢]
ينظر الانسان لا يرى إلا مصروعا ، لم يصر مستغربا ولا مستنكرا. بل صار لكثرة
المصروعين ، عين المستنكر المستغرب خلافه.
فإذا أراد الله بعبد حيرا : أفاق من هذه
الصرعة ، ونظر إلى أبناء الدنيا : مصروعين حوله يمينا وشمالا ، على اختلاف طبقاتهم.
فمنهم : من أطبق به الجنون ، ومنهم : من يفيق أحيانا قليلة ويعود إلى جنونه ، ومنهم
: من يجن مرة ويفيق أخرى [٣]
، فإذا أفاق : عمل عمل أهل الإفاقة والعقل ، ثم يعاوده الصرع : فيقع في التخبيط.
( فصل )
وأما صرع الاخلاط [٤]
فهو : علة تمنع الأعضاء النفيسة عن الافعال والحركة والانتصاب ، منعا غير تام.
وسببه : خلط غليظ لزج ، يسد منافذ بطون الدماغ سدة غير تامة ، فيمتنع نفوذ الحس
والحركة ، فيه وفى الأعضاء ، نفوذا ما من غير انقطاع بالكلية. وقد يكون لأسباب أخر
: كريح غليظ يحتبس في منافذ الروح ، أو بخار
[١] كذا بالأصل
والزاد : (ص ٨٥). وهود « المثلات » ( بفتح الميم ) جمع « مثلة » ( بالفتح فالضم )
العقوبات. وإن كان اللفظ الثاني هو المشهور أو الذي اقتصرت عليه بعض المعاجم. انظر
: القاموس (٤ / ٤٩) ، والمختار؟؟ (٦١٥).
[٢] هذا إلخ عبارة
الأصل. وفى الزاد : « بحيث لا يرى إلا مصروعا ».
[٣] كذا بالأصل.
وعبارة الزاد : « ومنهم من يفيق مرة ويجن أخرى ».
[٤] كذا بالأصل. وفى
الزاد : « الاختلاط » ، وهو تحريف.
اسم الکتاب : الطبّ النبوي المؤلف : ابن قيّم الجوزية الجزء : 1 صفحة : 54