اسم الکتاب : الطبّ النبوي المؤلف : ابن قيّم الجوزية الجزء : 1 صفحة : 55
ردئ يرتفع إليه من
بعض الأعضاء ، أو كيفية لاذعة. فينقبض الدماغ لدفع المؤذى ، فيتبعه تشنج في جميع
الأعضاء ، ولا يمكن أن يبقى الانسان معه منتصبا ، بل يسقط ويظهر في فيه الزبد
غالبا.
وهذه العلة تعد من جملة الأمراض الحادثة
[١] : باعتبار
وقت وجوده المؤلم خاصة. وقد تعد من جملة الأمراض المزمنة : باعتبار طول مكثها ، وعسر
برئها ، لا سيما إن جاوز في السن خمسا وعشرين سنة. وهذه العلة في دماغه وخاصة في
جوهره. فإن صرع هؤلاء يكون لازما. قال أبقراط : « إن الصرع يبقى في هؤلاء حتى
يموتوا ».
إذا عرف هذا : فهذه المرأة التي جاء
الحديث : أنها كانت تصرع وتنكشف ـ يجوز : أن يكون صرعها من هذا النوع ، فوعدها
النبي صلىاللهعليهوسلم
الجنة : بصبرها على هذا المرض ، ودعا لها : أن لا تنكشف ، وخيرها بين الصبر والجنة
، وبين الدعاء لها بالشفاء : من غير ضمان ، فاختارت الصبر والجنة.
وفى ذلك : دليل على جواز ترك المعالجة
والتداوي ، وأن علاج الأرواح بالدعوات والتوجه إلى الله ، يفعل ما لا يناله علاج
الأطباء ، وأن تأثيره وفعله ، وتأثر الطبيعة عنه وانفعالها ـ أعظم من تأثير
الأدوية البدنية ، وانفعال الطبيعة عنها. وقد جربنا هذا مرارا نحن وغيرنا.
وعقلاء الأطباء معترفون : بأن في فعل
القوى النفسية وانفعالاتها ، في شفاء الأمراض ، عجائب. وما على الصناعة الطبية أضر
من زنادقة القوم وسفلتهم وجهالهم.
والظاهر : أن صرع ( هذه ) [٢] المرأة كان من هذا النوع. ويجوز : أن
يكون من جهة الأرواح ، ويكون رسول الله صلىاللهعليهوسلم
: قد خيرها بين الصبر على ذلك مع الجنة ، وبين الدعاء لها بالشفاء ، فاختارت الصبر
والستر. والله أعلم.