اسم الکتاب : الطبّ النبوي المؤلف : ابن قيّم الجوزية الجزء : 1 صفحة : 51
فصل في هديه صلىاللهعليهوسلم
في علاج الصرع
أخرجا في الصحيحين ـ من حديث عطاء بن
أبي رباح ـ قال : قال ابن عباس : « ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت : بلى. قال :
هذه المرأة السوداء ، أتت النبي صلىاللهعليهوسلم
، فقالت : إني أصرع ، وإني أتكشف ، فادع الله لي. فقال : إن شئت صبرت ولك الجنة ، وإن
شئت دعوت الله لك أن يعافيك. فقالت : أصبر. قالت : فإني أتكشف ، فادع الله أن لا
أتكشف. فدعا لها » [١].
قلت : الصرع صرعان : صرع من الأرواح
الخبيثة الأرضية ، وصرع من الاخلاط الرديئة. والثاني هو الذي يتكلم فيه الأطباء : في
سببه وعلاجه.
وأما صرع الأرواح : فأئمتهم وعقلاؤهم
يعترفون به ، ولا يدفعونه. ويعترفون : بأن علاجه مقابلة [٢] الأرواح الشريفة الخيرة العلوية ، لتلك
الأرواح الشريرة الخبيثة ، فتدفع [٣]
آثارها ، وتعارض أفعالها وتبطلها. وقد نص على ذلك أبقراط في بعض كتبه ، فذكر بعض
علاج الصرع ، وقال : « هذا إنما ينفع في الصرع الذي سببه : الاخلاط والمادة. وأما
الصرع الذي يكون من الأرواح ، فلا ينفع فيه هذا العلاج ».
أما جهلة الأطباء وسقطهم وسفلتهم ، ومن
يعتقد بالزندقة فضيلة ـ فأولئك ينكرون صرع الأرواح ، ولا يقرون بأنها تؤثر في بدن
المصروع. وليس معهم إلا الجهل. وإلا : فليس في الصناعة الطبية ما يدفع ذلك ، والحس
والوجود شاهد به. وإحالتهم ذلك على غلبة بعض الاخلاط ، هو صادق في بعض أقسامه ، لا
في كلها.
وقدماء الأطباء كانوا يسمون هذا الصرع :
المرض الإلهي ، وقالوا : إنه من الأرواح.
وأما جالينوس وغيره ، فتأولوا عليهم هذه
التسمية ، وقالوا : إنما سموها [٤]
بالمرض