اسم الکتاب : الطبّ النبوي المؤلف : ابن قيّم الجوزية الجزء : 1 صفحة : 286
قيل : قد أجاب الامام [١] أحمد بن حنبل عن هذا ، وقال : « قد شهد
به غير أنس ـ رضي الله عنه ـ على النبي صلىاللهعليهوسلم
: أنه خضب. وليس من شهد ، بمنزلة من لم يشهد ». فأحمد أثبت خضاب النبي صلىاللهعليهوسلم ـ ومعه جماعة من
المحدثين ـ ومالك أنكره.
فإن قيل : قد ثبت في صحيح مسلم النهى عن
الخضاب بالسواد ، في شأن أبى قحافة ، لما أتى به : ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا ، فقال
: غيروا هذا الشيب ، وجنبوه السواد ». والكتم يسود الشعر.
فالجواب من وجهين : ( أحدهما ) : أن
النهى عن التسويد البحت ، فأما إذا أضيف إلى الحناء شئ آخر ـ كالكتم ونحوه ـ فلا
بأس به. فإن الكتم والحناء يجعل الشعر بين الأحمر والأسود ، بخلاف الوسمة : فإنها
تجعله أسود فاحما. وهذا أصح الجوابين.
( الجواب الثاني ) : أن الخضاب بالسواد
المنهى عنه خضاب التدليس : كخضاب شعر الجارية والمرأة الكبيرة : تغر الزوج والسيد
بذلك. وخضاب الشيخ يغر المرأة بذلك. فإنه من الغش والخداع. فأما إذا لم يتضمن
تدليسا ولا خداعا ، فقد صح عن الحسن والحسين رضي الله عنهما : أنهما كانا يخضبان
بالسواد. ذكر ذلك ابن جرير عنهما ، في كتاب تهذيب الآثار. وذكره عن عثمان بن عفان
، وعبد الله بن جعفر ، وسعد بن أبي وقاص ، وعقبة ابن عامر ، والمغيرة بن شعبة ، وجرير
بن عبد الله ، وعمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين. وحكاه عن جماعة من التابعين ،
منهم : عمرو بن عثمان ، وعلي بن عبد الله بن عباس ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وعبد
الرحمن بن الأسود ، وموسى بن طلحة ، والزهري ، وأيوب ، وإسماعيل بن معد يكرب رضي
الله عنهم أجمعين. وحكاه ابن الجوزي عن محارب بن دثار ، ويزيد ، وابن جريج ، وأبى
يوسف ، وأبى إسحق ، وابن أبي ليلى ، وزياد بن علاقة ، وغيلان بن جامع ، ونافع بن
جبير ، وعمرو بن علي المقدمي ، والقاسم بن سلام رضي الله عنهم أجمعين.