اسم الکتاب : الطبّ النبوي المؤلف : ابن قيّم الجوزية الجزء : 1 صفحة : 100
فاعلم أن مادة السحر الذي أصيب به النبي
صلىاللهعليهوسلم
، انتهت إلى رأسه : إلى إحدى قواه التي فيه ، بحيث كان يخيل إليه أنه يفعل الشئ
ولم يفعله. وهذا تصرف من الساحر في الطبيعة والمادة الدموية : بحيث غلبت تلك
المادة على البطن المقدم منه ، فغيرت مزاجه عن طبيعته الأصلية.
والسحر [١] مركب من تأثيرات الأرواح الخبيثة ، وانفعال
القوى الطبيعية عنها. وهو سحر التمريجات [٢].
وهو أشد ما يكون من السحر ، ولا سيما في الموضع الذي انتهى [٣] إليه السحر. واستعمال الحجامة على ذلك
المكان ـ الذي تضررت أفعاله بالسحر ـ من أنفع المعالجة : إذا استعملت على القانون
الذي ينبغي. قال أبقراط : « الأشياء التي ينبغي أن تستفرغ يجب أن تستفرغ من [٤] المواضع التي هي إليها أميل ، بالأشياء
التي تصلح لاستفراغها ».
وقالت طائفة من الناس : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما أصيب بهذا
الداء ، وكان يخيل إليه أنه فعل الشئ ولم يفعله ـ : ظن أن ذلك عن مادة دموية أو
غيرها ، مالت إلى جهة الدماغ ، وغلبت على البطن المقدم منه ، فأزالت مزاجه عن
الحالة الطبيعية له. وكان استعمال الحجامة ـ إذ ذاك ـ من أبلغ الأدوية ، وأنفع
المعالجة ، فاحتجم. وكان ذلك قبل أن يوحى إليه : أن ذلك من السحر. فلما جاءه الوحي
من الله تعالى ، وأخبره أنه قد سحر ـ : عدل إلى العلاج الحقيقي ، وهو استخراج
السحر وإبطاله ، فسأل الله سبحانه : فدله على مكانه ، فاستخرجه. فقام كأنما نشط من
عقال. وكان غاية هذا السحر فيه إنما هو في جسده وظاهر جوارحه ، لاعلى عقله وقلبه.
ولذلك لم يكن يعتقد صحة ما يخيل إليه : من إتيان النساء ، بل يعلم أنه خيال لا
حقيقة له. ومثل هذا قد يحدث من بعض الأمراض. والله أعلم.
( فصل )
ومن أنفع علاجات السحر : الأدوية الإلهية : بل هي أدويته النافعة بالذات. فإنه من
تأثيرات الأرواح الخبيثة السفلية. ودفع تأثيرها يكون بما يعارضها ويقاومها :