بل النزاع في
صدقهما بحسب المعنى وتحقّقهما باعتبار الواقع ، وقد عرفت أنّ مفاد العبارتين بحسب
المعنى والواقع لا يصدق عليه إلاّ الأمر ، فدعوى كونه عين النهي إن اريد به معناه
الحقيقي واضح المنع.
وقد يجاب أيضا :
بأنّ صحّة وقوع شيء تعبيرا عن شيء آخر لا يقضي بكونه عينه ، إذ العينيّة لو اريد
بها الترادف فانتفاؤها بهذا المعنى ليس ممّا يتأمّل فيه ، لانتفاء ما هو من لوازم
المترادفين وهو الاتّحاد في المفهوم والمصداق ، وإن اريد بها التساوي فانتفاؤها
بهذا المعنى أيضا واضح ، لأنّ من لوازم المتساويين صحّة حمل كلّ واحد على شيء واحد
كالناطق والضاحك ، لصحّة حملهما على « زيد » بخلاف الأمر والنهي لعدم صحّة حملهما
على شيء واحد ، فلا يقال : إنّ « اضرب » نهي ، كما يقال إنّه أمر ، وكذلك لا يقال
: إنّ « لا تضرب » أمر ، كما يقال : إنّه نهي ، وإن اريد بها التلازم فالقول بها
بهذا المعنى قول بالدلالة التزاما فلا يكون مقابلا له ، مع أنّ أصحابه يزعمونه
مقابلا له ، ولا يخفى ما فيه من وروده على خلاف التحقيق كما يظهر بأدنى تأمّل.
* هذا القول منسوب
إلى القاضي والمحكيّ من حجّته وجهان :
أحدهما : ما قرّره
المصنّف ، وقضيّة ما فيه من بطلان التالي بجميع أقسامه تضمّن دعوى العينيّة الّتي
تثبت برفع المقدّم لاتّحاد الأمر بالشيء مع النهي عن ضدّه الخاصّ ، وهو كما ترى
ممّا لا يكاد يعقل بل الضرورة قاضية ببطلانه ، لوضوح تعدّدهما إنشاء وموضوعا ، كيف
وأنّ الاتّحاد إمّا أن يراد به ما هو بحسب المفهوم أو ما هو بحسب المصداق ولا سبيل
إلى شيء منهما.
أمّا الأوّل :
فلأنّ مفهوم « الأمر » طلب الفعل حتما وهو مغاير لطلب الترك حتما ، ولا سيّما إذا
كان متعلّقهما فعل شيء وترك شيء آخر ضدّه.
وأمّا الثاني :
فلأنّ المصداق لو اريد به ما يرجع إلى المكلّف ، بدعوى : أنّ ما قام بنفس المولى
من المعنى الإنشائي أمر واحد.
ففيه : أنّ تغاير
الموضوعين ممّا يقتضي عند إرادة الجعل تعدّد الإنشاء والتصوّر قبله وغيره ممّا هو
من لوازم الجعل.