واجيب عن الأوّل [١] بأنّ كلام النحاة معارض بما اشتهر بين الاصوليّين من كونه موضوعا للأعمّ مع
كونهم أدقّ نظرا وأشدّ فحصا ، وممّا يشهد على وهنه عدم تشبّث الفحول به مع أنّهم
استندوا له بامور واهية جدّا ، وتعلّقوا بما يمكن التعلّق به ولو كان ظاهر الفساد
، مع أنّ منهم من كان من فضلاء العربيّة ، ومع ذلك يحتمل إرادتهم تعلّق الخطاب في
الحال وإن كان ممتدّا وثابتا بعده أيضا ، ولا يخفى ضعف ما عدا الأخير الّذي مطابق
لما حقّقناه ، فهو الجواب الحاسم لمادّة الاحتجاج.
وعن الثاني [٢] : بأنّ الاحتياط من الأدلّة العمليّة ولا ربط له بالوضع ، مع عدم لزومه في
نحو المقام ، فإنّه لازم فيما شكّ في المكلّف به بعد ثبوت أصل التكليف لا في
التكليف وهنا من قبيل الثاني ، فإنّ إطلاق الأمر يقتضي عدم التوقيت فيدفع احتمال
المسارعة بالأصل ، مع أنّه معارض بمثله من لزوم التراخي ، إلاّ أنّه قال في
النهاية : « من توقّف في الامتثال بالمسارعة خالف إجماع السلف ».
والأوّل والأخير
حقّ متين والأوسط فاسد بالجزم واليقين ، فإنّه كلام لا يصلح ناقضا لما رامه
المستدلّ ، لظهور عبارته في أنّ الموجب للاحتياط أمر خارج عن مجرّد احتمال التكليف
بالفور ، فلا يرد عليه أنّه لا يجري في موضع الشكّ في التكليف ، مع أنّ له أن
يدرجه في عنوان الشكّ في المكلّف به بإرجاعه إلى دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر
الارتباطيّين ، كما يقتضيه أحد محتملات الفور القاضي بكون الفوريّة شرطا في
الصحّة.
والأولى أن يقال ـ
في ردّ الاستدلال ـ : بأنّ الموجب للاحتياط إن كان تيقّن الاشتغال بالفعل المستدعي
لوجوب اليقين بالامتثال ، فيدفعه : عدم توقّف ذلك على المبادرة والاستعجال ، لعدم
منافاة التأخير لحصول الامتثال فيكون مخيّرا بينهما بحكم العقل الناشئ عن إطلاق
اللفظ ، وإن كان خوف الفوات بالتعذّر أو التعسّر عند التأخير ـ كما هو عبارة
الدليل ـ فيجب الفور احتياطا من باب وجوب دفع احتمال الضرر.
ففيه : أنّ
الاحتمال ما لم يكن عقلائيّا لا يجب دفعه جزما من العقل والعرف والعادة وإلاّ
لتضيّق جميع الموسّعات وانسدّ أبواب جميع المعايشات ، وما ذكر من الخوف احتمال لا
يعتني به العقلاء أصلا ما لم يبلغ حدّ الرجحان ، كما يظهر بملاحظة طريقتهم في
مطلقات الأوامر العرفيّة.
وقد تقدّم في
تقرير الدليل على المختار الإشارة إلى بعض ما يشهد بذلك.