فقد حكم بثبوت الأحكام بهما ، فيصير الحكم ـ حينئذ ـ معلوما من الشارع ،
ولا معنى للنجس ونحوه ـ كما عرفت ـ إلّا ذلك وإن فرض عدم ملاقاة النجاسة في [١] الواقع ، ألا
ترى أنه وردت الأخبار بأن الأشياء كلّها على يقين الطهارة ويقين الحليّة حتى يعلم
النجس والتحريم بعينه؟ مع أن هذا اليقين ـ كما عرفت ـ ليس إلّا عبارة عن عدم العلم
بالنجاسة والحرمة. وعدم العلم لا يدلّ على العدم ، فيجوز أن تكون تلك الأشياء ـ كلّا
أو بعضا ـ بحسب الواقع ونفس الأمر على النجاسة أو الحرمة لو كان كلّ من النجاسة
والحرمة من الامور النفس الأمريّة الواقعيّة بدون علم المكلّف بذلك. وكذلك القول
في حكم [٢] الشارع بقبول قول المالك في طهارة ثوبه وإنائه ، وطهارة
ما في أسواق المسلمين وحليّته ؛ لعين ما ذكرنا.
وبالجملة ،
فالعلم واليقين المتعلّق بهذه الأحكام ليس عبارة عمّا توهّموه من الإناطة بالواقع
ونفس الأمر وإن لم يظهر للمكلّف ، وأن متيقّن النجاسة عند المكلّف ليس إلّا عبارة
عمّا وجد فيه النجاسة ، حتى إنه يصير ما عدا هذا الفرد ممّا أخبر به المالك أو شهد
به العدلان مظنون النجاسة ؛ إذ لو كان كذلك لزم مثله في جانب الطهارة ؛ إذ الجميع
من باب واحد ، فإنها أحكام متلقّاة من الشارع ، فيختصّ الحكم بالطهارة يقينا حينئذ
بما باشر المكلّف أو حضر تطهيره ولم يغب عنه بعد ذلك ، وإلّا لكان مظنون الطهارة
أو مرجوحها ، مع أن المعلوم من الشرع ـ كما عرفت ـ خلافه ، فإنّه قد حكم بأن
الأشياء على يقين الطهارة.
ويؤيّد [٣] ما صرنا إليه
في هذا المقام ـ وإن غفل عنه جملة من علمائنا الأعلام ـ ما نقله في كتاب (المعالم [٤]) [٥] عن سيّدنا
المرتضى رضياللهعنه ـ وارتضاه جملة