والتحقيق عندي
في هذا المقام ـ ممّا لا يحوم حوله للناظر المنصف نقض ولا إبرام ـ ما أوضحناه في
موضع آخر من فوائدنا ، وملخّصه : أن كلّا من الطهارة والنجاسة والحلّ والحرمة ليست
امورا عقليّة ، بل هي امور شرعيّة لها أسباب [١] معيّنة من الشارع متلقّاة منه ، فكلّما وجد سبب من تلك
الأسباب وصار معلوما للمكلّف ترتّب عليه مسبّبه [٢] من الحكم بأحد
تلك الأحكام ، فكما أن من جملة الأسباب المتلقّاة منه مشاهدة ملاقاة النجاسة للماء
مثلا ، كذلك من جملتها إخبار المالك بنجاسة مائه وثوبه ونحوهما ، وشهادة العدلين
بنجاسة شيء ، ومثله يأتي أيضا في ثبوت الطهارة والحليّة والحرمة.
وليس ثبوت
النجاسة لشيء [٣] واتّصافه بها عبارة عن مجرّد ملاقاة عين أحد النجاسات
في الواقع ونفس الأمر خاصّة حتى يقال بالنسبة إلى غير العالم بالملاقاة : إن هذا
الشيء نجس واقعا وطاهر بحسب الظاهر. بل هو نجس [٤] بالنسبة إلى
العالم بالملاقاة أو أحد الأسباب المتقدّمة ، وطاهر بالنسبة إلى غير العالم ،
والشارع لم يجعل شيئا من الأحكام منوطا بالواقع ونفس الأمر.
وحينئذ ، فلا
يقال : إن إخبار المالك والعدلين إنّما يفيدان ظنّ النجاسة لاحتمال ألّا يكون كذلك
في الواقع. كيف ، وهما من جملة الأسباب التي رتّب الشارع الحكم بالنجاسة عليها؟
وبالجملة ،
فحيث حكم الشارع بقبول شهادة العدلين وإخبار المالك في ذلك ،