قال صدرالدين الشيرازي في تفسيره : إعلم
أن في تعذيب الله بعض عباده عذاباً أبداً إشكالاً عظيماً ، خصوصاً عند
القائلين بالتحسين والتقبيح العقليين ، فان الله خالق العباد وموجدهم
ومبدئهم ومعيدهم ، وشأن العلة الفاعلة الافاضة والايجاد على معلولها ، إذ
ليس المعلول إلا رشحة من رشحات جوده ، ولمعة من لمعات وجوده ، والتعذيب
الأبدي منافي الايجاد والعلية. [١]
وأشار إلى هذا المعنى في كتاب الأسفار
وشواهد الربوبية بقوله : ثم إنك تعلم أن نظام الدنيا لا ينصلح إلا بنفوس
جافية وقلوب غلاظ شداد ، فلو كان الناس كلهم سعداء بنفوس خائفة من عذاب
الله وقلوب خاضعة خاشعة لاختل النظام بعد القائمين بعمارة هذا الدار من
النفوس الغلاظ العتاة كالفراعنة والدجاجلة ، وكالنفوس المكارة كشياطين
الإنس بجربزتهم وجبلّتهم ، وكالنفوس البهيمية الجهلة كالكفار... وثبت بموجب
قضائه اللازم النافذ في قدره اللاحق الحكم بوجود السعداء والأشقياء جميعاً
، فاذا كان وجود كل طائفة بحسب قضاء إلهي ومقتضى ظهور اسم رباني ، فيكون
لها غايات حقيقية ومنازل ذاتية ، والأمور الذاتية التي جبلت عليها الأشياء
إذا وقع الرجوع اليها تكون ملائمة لذيذة ، وإن وقعت المفارقة أمداً بعيداً
وحصلت الحيلولة عن الاستقرار عليها زماناً مديداً بعيداً ، كما قال تعالى :
( وَحِيلَ بَيْنَهُمْ
وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ ) ،
ثم إن الله تعالى يتجلى بجميع
الأسماء والصفات في جميع المراتب والمقامات ، فهو الرحمان الرحيم ، وهو
العزيز القهار ، وفي الحديث القدسي : « لو لا أن تذنبون لذهب بكم وجاء بقوم
يذنبون ». [٢]
[١].
صدر الدين الشيرازي ، تفسير
القرآن
، ج ٥ ، ص ٢٩٨.