قَالَ:«نَعَمْ-يَا أَبَانُ-اَلَّذِي أَنْكَرَ عَلَى الْأَوَّلِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً:سِتَّةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ،وَ سِتَّةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ،وَ هُمْ:خَالِدُ ابْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ الْأُمَوِيُّ،وَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ،وَ أَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ،وَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ،وَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ الْكِنْدِيُّ، وَ بُرَيْدَةُ الْأَسْلَمِيُّ.وَ مِنَ الْأَنْصَارِ:قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ،وَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ،وَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ،وَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ،وَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ-وَ سَاقَ الْحَدِيثَ-وَ إِنَّهُمُ اسْتَأْذَنُوا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)فِي إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ،وَ أَنَّ الْحَقَّ لِعَلِيٍّ دُونَهُ،فَاحْتَجَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مِمَّا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)فِي إِقَامَةِ عَلِيٍّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)خَلِيفَةً مِنْ بَعْدِهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ).
وَ بَعْدَ احْتِجَاجِ الاِثْنَيْ عَشَرَ عَلَيْهِ،قَالَ أَبُو بَكْرٍ:لَسْتُ بِخَيْرِكُمْ.فَقَالُوا لَهُ:إِنْ كُنْتَ صَادِقاً فَانْزِلْ عَنِ الْمِنْبَرِ،وَ لاَ تَعُدْ.فَنَزَلَ،فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ:وَ اللَّهِ مَا أَقَلْنَاكَ وَ لاَ اسْتَقَلْنَاكَ.ثُمَّ أَخَذَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ وَ انْطَلَقَ بِهِ وَ النَّاسُ قَدْ ثَارُوا عَلَيْهِمْ،فَجَاءُوا [1] إِلَى مَنْزِلِ أَبِي بَكْرٍ.
هَذَا مَا جَرَى لَهُمْ مِنَ الْأُمُورِ حَيْثُ صَعِدَ أَبُو بَكْرٍ الْمِنْبَرَ،وَ مَكَثَ أَبُو بَكْرٍ فِي مَنْزِلِهِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لَمْ يَظْهَرْ إِلَى النَّاسِ،فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ دَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ،وَ قَالَ:مَا الَّذِي يُقْعِدُكَ،إِنَّ أَصْلَعَ قُرَيْشٍ قَدْ طَمِعَ فِيهَا؟فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:إِلَيْكَ عَنِّي-يَا عُمَرُ-إِنِّي لَفِي شُغُلٍ عَنْهَا،أَ مَا رَأَيْتَ مَا فَعَلَ بِيَ النَّاسُ.فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِي أَلْفِ رَجُلٍ،وَ قَالَ:مَا يُقْعِدُكُمْ عَنْهَا،وَ اللَّهِ لَقَدْ طَمِعَتْ فِيهَا بَنُو هَاشِمٍ؟وَ جَاءَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فِي أَلْفِ رَجُلٍ،وَ قَالَ:مَا يُقْعِدُكُمْ عَنْهَا،وَ قَدْ طَمِعَ أَصْلَعُ قُرَيْشٍ فِيهَا؟وَ جَاءَ سَالِمٌ مَوْلَى حُذَيْفَةَ فِي أَلْفِ رَجُلٍ،وَ مَا زَالُوا يَجْتَمِعُونَ حَتَّى صَارُوا فِي أَرْبَعَةِ آلاَفِ رَجُلٍ،وَ جَاءُوا شَاهِرِينَ أَسْيَافَهُمْ يَقْدُمُهُمْ عُمَرُ حَتَّى تَوَسَّطُوا مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ،فَقَالَ عُمَرُ:يَا أَصْحَابَ عَلِيٍّ،لَئِنْ تَكَلَّمَ الْيَوْمَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مَا تَكَلَّمَ بِهِ بِالْأَمْسِ لَنَأْخُذَنَّ مَا فِيهِ عَيْنَاهُ.
فَقَامَ إِلَيْهِ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ الْأُمَوِيُّ،فَقَالَ:يَا ابْنَ الْخَطَّابِ،أَ بِأَسْيَافِكُمْ تُهَدِّدُونَنَا،وَ أَسْيَافُنَا أَحَدُّ مِنْهَا، وَ مِنْهَا ذُو الْفَقَارِ؟!وَ بِجَمْعِكُمْ تُفْزِعُونَّا،وَ بِقَتْلِنَا-وَ اللَّهِ-مَدْحُنَا وَ ذَمُّكُمْ،وَ فِينَا مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْكُمْ:حُجَّةُ اللَّهِ،وَ وَصِيُّ رَسُولِ اللَّهِ؟!وَ لَوْلاَ أَنِّي أُمِرْتُ بِطَاعَةِ إِمَامِي لَشَهَرْتُ سَيْفِي وَ جَاهَدْتُكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّٰهِ وَ اللّٰهُ مَعَ الصّٰابِرِينَ [2]فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ):شَكَرَ اللَّهُ مَقَامَكَ.
ثُمَّ قَالَ سَلْمَانُ:اَللَّهُ أَكْبَرُ،سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)يَقُولُ:بَيْنَا أَخِي وَ ابْنُ عَمِّي فِي مَسْجِدِي وَ هُوَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذْ نَكَبَتْ عَنْهُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ كِلاَبِ أَهْلِ النَّارِ،يُرِيدُونَ قَتْلَهُ وَ قَتْلَ مَنْ مَعَهُ،وَ لَسْتُ أَشُكُّ أَنَّكُمْ هُمْ.فَهَمَّ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ.فَنَهَضَ عَلِيٌّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)فَتَنَاوَلَ أَثْيَابَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَ خِنَاقَهُ،وَ جَلَدَ بِهِ الْأَرْضَ، وَ وَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صَدْرِهِ،وَ قَالَ:يَا ابْنَ صُهَاكَ،لَوْلاَ كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ،وَ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ،لَأَهْرَقْتُ دَمَكَ،أَنْتَ أَقَلُّ صَبْراً وَ أَضْعَفُ نَاصِراً.
[1] في«ط»:فجاء.
[2] البقرة 2:249.