مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودٍ،بِإِسْنَادِهِ،رَفَعَهُ إِلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)،قَالَ: «لَمَّا دَخَلْتُ عَلَى هَارُونَ الرَّشِيدِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلاَمَ،قَالَ:يَا مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ،خَلِيفَتَانِ يُجْبَى إِلَيْهِمَا الْخَرَاجُ؟! فَقُلْتُ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،أُعِيذُكَ بِاللَّهِ أَنْ تَبُوءُ بِإِثْمِي وَ إِثْمِكَ،وَ تَقْبَلَ الْبَاطِلَ مِنْ أَعْدَائِنَا عَلَيْنَا،فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ كُذِبَ عَلَيْنَا مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)بِمَا عُلِمَ ذَلِكَ عِنْدَكَ،فَإِنْ رَأَيْتَ بِقَرَابَتِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) -أَنْ تَأْذَنَ لِي-أَنْ أُحَدِّثَكَ بِحَدِيثٍ أَخْبَرَنِي بِهِ أَبِي عَنْ آبَائِهِ عَنْ جَدِّهِ رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)،[فَقَالَ:قَدْ أَذِنْتُ لَكَ.
فَقُلْتُ:أَخْبَرَنِي أَبِي،عَنْ آبَائِهِ،عَنْ جَدِّهِ رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)]أَنَّهُ قَالَ:اَلرَّحِمُ إِذَا مَسَّتِ الرَّحِمَ تَحَرَّكَتْ وَ اضْطَرَبَتْ،فَنَاوِلْنِي يَدَكَ،جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ.فَقَالَ:اُدْنُ،فَدَنَوْتُ مِنْهُ،فَأَخَذَ بِيَدِي فِي يَدِهِ،ثُمَّ جَذَبَنِي إِلَى نَفْسِهِ، وَ عَانَقَنِي طَوِيلاً،ثُمَّ تَرَكَنِي،وَ قَالَ:اِجْلِسْ يَا مُوسَى،فَلَيْسَ عَلَيْكَ بَأْسٌ.فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا إِنَّهُ قَدْ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ، فَرَجَعَتْ إِلَيَّ نَفْسِي،فَقَالَ:صَدَقْتَ،وَ صَدَقَ جَدُّكَ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)لَقَدْ تَحَرَّكَ دَمِي،وَ اضْطَرَبَتْ عُرُوقِي،حَتَّى غَلَبَتْ عَلَيَّ الرِّقَّةُ وَ فَاضَتْ عَيْنَايَ،وَ أَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ أَشْيَاءَ تَتَلَجْلَجُ فِي صَدْرِي مُنْذُ حِينٍ،لَمْ أَسْأَلْ عَنْهَا أَحَداً،فَإِنْ أَنْتَ أَجَبْتَنِي عَنْهَا خَلَّيْتُ عَنْكَ،وَ لَمْ أَقْبَلْ قَوْلَ أَحَدٍ فِيكَ،وَ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ لَمْ تَكْذِبْ قَطُّ،فَاصْدُقْنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ مِمَّا فِي قَلْبِي؟ فَقُلْتُ:مَا كَانَ عِلْمُهُ عِنْدِي فَإِنِّي سَأُخْبِرُكَ إِنْ أَنْتَ أَمَّنْتَنِي.قَالَ:لَكَ الْأَمَانُ إِنْ صَدَقْتَنِي وَ تَرَكْتَ التَّقِيَّةَ الَّتِي تُعْرَفُونَ بِهَا،مَعْشَرَ بَنِي فَاطِمَةَ.
فَقُلْتُ:لِيَسْأَلْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَمَّا شَاءَ.قَالَ:أَخْبِرْنِي لِمَ فُضِّلْتُمْ عَلَيْنَا،وَ نَحْنُ وَ أَنْتُمْ مِنْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ،وَ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ نَحْنُ وَاحِدٌ،إِنَّا بَنُو الْعَبَّاسِ وَ أَنْتُمْ وُلْدُ أَبِي طَالِبٍ،وَ هُمَا عَمَّا رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)وَ قَرَابَتُهُمَا مِنْهُ سَوَاءً؟فَقُلْتُ:نَحْنُ أَقْرَبُ.قَالَ:وَ كَيْفَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ:لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَ أَبَا طَالِبٍ لِأَبٍ وَ أُمٍّ،وَ أَبُوكُمُ الْعَبَّاسُ لَيْسَ هُوَ مِنْ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ وَ لاَ مِنْ أُمِّ أَبِي طَالِبٍ [1].
قَالَ:فَلِمَ ادَّعَيْتُمْ أَنَّكُمْ وَرِثْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)وَ الْعَمُّ يَحْجُبُ ابْنَ الْعَمِّ،وَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وَ قَدْ تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ قَبْلَهُ،وَ الْعَبَّاسُ عَمُّهُ حَيٌّ؟فَقُلْتُ لَهُ:إِنْ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُعْفِيَنِي عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَ يَسْأَلَنِي عَنْ كُلِّ بَابٍ سِوَاهُ يُرِيدُهُ،فَقَالَ:لاَ،أَوْ تُجِيبَنِي [2].فَقُلْتُ:فَأَمِّنِّي،فَقَالَ:قَدْ أَمَّنْتُكَ قَبْلَ الْكَلاَمِ.
فَقُلْتُ:إِنَّ فِي قَوْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)أَنَّهُ لَيْسَ مَعَ وَلَدِ الصُّلْبِ،ذَكَراً كَانَ أَوْ أُنْثَى،لِأَحَدٍ سَهْمٌ إِلاَّ الْأَبَوَيْنِ وَ الزَّوْجَ وَ الزَّوْجَةَ،وَ لَمْ يَثْبُتْ لِلْعَمِّ مَعَ وَلَدِ الصُّلْبِ مِيرَاثٌ،وَ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ الْكِتَابُ،إِلاَّ أَنَّ تَيْماً وَ عَدِيّاً وَ بَنِي أُمَيَّةَ قَالُوا:اَلْعَمُّ وَالِدٌ.رَأْياً مِنْهُمْ،بِلاَ حَقِيقَةٍ وَ لاَ أَثَرٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)،وَ مَنْ قَالَ بِقَوْلِ عَلِيٍّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)مِنَ الْعُلَمَاءِ فَقَضَايَاهُمْ خِلاَفُ قَضَايَا هَؤُلاَءِ،هَذَا نُوحُ بْنُ دَرَّاجٍ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِ عَلِيٍّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)،وَ قَدْ حَكَمَ بِهِ،وَ قَدْ وَلاَّهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْمِصْرَيْنِ-اَلْكُوفَةَ وَ الْبَصْرَةَ-وَ قَدْ قَضَى بِهِ،فَأُنْهِيَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ،فَأَمَرَ بِإِحْضَارِهِ وَ إِحْضَارِ مَنْ
[1] ذكر النسّابون أنّ أمّ عبد اللّه و أبي طالب هي:فاطمة بنت عمرو،و أمّ العبّاس:نتيلة بنت جناب بن كليب.انظر جمهرة أنساب العرب:15،التبيين في أنساب القرشيين:96 و 97.
[2] في المصدر:أو تجيب.