يَقُولُ بِخِلاَفِ قَوْلِهِ،مِنْهُمْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ،وَ إِبْرَاهِيمُ الْمَدَنِيُّ وَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ [1]،فَشَهِدُوا أَنَّهُ قَوْلُ عَلِيٍّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ،فَقَالَ لَهُمْ فِيمَا أَبْلَغَنِي بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ:فَلِمَ لاَ تُفْتُونَ بِهِ وَ قَدْ قَضَى بِهِ نُوحُ بْنُ دَرَّاجٍ؟ فَقَالُوا:جَسَرَ نُوحٌ وَ جَبُنَّا [2].
وَ قَدْ أَمْضَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَضِيَّتَهُ بِقَوْلِ قُدَمَاءِ الْعَامَّةِ عَنِ النَّبِيِّ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)أَنَّهُ قَالَ:عَلِيٌّ أَقْضَاكُمْ.وَ كَذَلِكَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ:عَلِيٌّ أَقْضَانَا.وَ هُوَ اسْمٌ جَامِعٌ،لِأَنَّ جَمِيعَ مَا مَدَحَ بِهِ النَّبِيُّ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)أَصْحَابَهُ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَ الْفَرَائِضِ وَ الْعِلْمِ دَاخِلٌ فِي الْقَضَاءِ.قَالَ:زِدْنِي،يَا مُوسَى.قُلْتُ:اَلْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَاتِ،وَ خَاصَّةً مَجْلِسُكَ.فَقَالَ:لاَ بَأْسَ عَلَيْكَ.
فَقُلْتُ:إِنَّ النَّبِيَّ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)لَمْ يُوَرِّثْ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ،وَ لاَ أَثْبَتَ لَهُ وَلاَيَةً،حَتَّى يُهَاجِرَ.فَقَالَ:مَا حُجَّتُكَ فِيهِ؟ قُلْتُ:قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى: وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهٰاجِرُوا مٰا لَكُمْ مِنْ وَلاٰيَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتّٰى يُهٰاجِرُوا وَ إِنَّ عَمِّيَ الْعَبَّاسَ لَمْ يُهَاجِرْ.
فَقَالَ:إِنِّي أَسْأَلُكَ،يَا مُوسَى،هَلْ أَفْتَيْتَ بِذَلِكَ أَحَداً مِنْ أَعْدَائِنَا؟أَمْ أَخْبَرْتَ أَحَداً مِنَ الْفُقَهَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِشَيْءٍ؟فَقُلْتُ:اَللَّهُمَّ لاَ،وَ مَا سَأَلَنِي عَنْهَا إِلاَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ.
ثُمَّ قَالَ:لِمَ جَوَّزْتُمْ لِلْعَامَّةِ وَ الْخَاصَّةِ أَنْ يَنْسُبُوكُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ).وَ يَقُولُونَ لَكُمْ:يَا بَنِي رَسُولِ اللَّهِ، وَ أَنْتُمْ بَنُو عَلِيٍّ،وَ إِنَّمَا يُنْسَبُ الْمَرْءُ إِلَى أَبِيهِ،وَ فَاطِمَةُ إِنَّمَا هِيَ وِعَاءٌ،وَ النَّبِيُّ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)جَدُّكُمْ مِنْ قِبَلِ أُمِّكُمْ؟ فَقُلْتُ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،لَوْ أَنَّ النَّبِيَّ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)نُشِرَ فَخَطَبَ إِلَيْكَ كَرِيمَتَكَ،هَلْ كُنْتَ تُجِيبُهُ؟فَقَالَ:
سُبْحَانَ اللَّهِ!وَ لِمَ لاَ أُجِيبُهُ،بَلْ أَفْتَخِرُ عَلَى الْعَرَبِ وَ الْعَجَمِ وَ قُرَيْشٍ بِذَلِكَ.فَقُلْتُ لَهُ:وَ لَكِنَّهُ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)لاَ يَخْطُبُ إِلَيَّ وَ لاَ أُزَوِّجُهُ.فَقَالَ:وَ لِمَ؟فَقُلْتُ:لِأَنَّهُ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)وَلَدَنِي وَ لَمْ يَلِدْكَ.فَقَالَ:أَحْسَنْتَ يَا مُوسَى.
ثُمَّ قَالَ:كَيْفَ قُلْتُمْ إِنَّا ذُرِّيَّةُ النَّبِيِّ،وَ النَّبِيُّ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)لَمْ يُعَقِّبْ،وَ إِنَّمَا الْعَقِبُ لِلذَّكَرِ لاَ لِلْأُنْثَى،وَ أَنْتُمْ وُلْدٌ لاِبْنَتِهِ [3]،وَ لاَ يَكُونُ لَهَا عَقِبٌ؟فَقُلْتُ:أَسْأَلُكَ بِحَقِّ الْقَرَابَةِ وَ الْقَبْرِ وَ مَنْ فِيهِ إِلاَّ أَعْفَيْتَنِي عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
فَقَالَ:لاَ،أَوْ تُخْبِرَنِي عَنْ حُجَّتِكُمْ فِيهِ يَا وُلْدَ عَلِيٍّ،وَ أَنْتَ يَا مُوسَى يَعْسُوبُهُمْ وَ إِمَامُ زَمَانِهِمْ،كَذَا أُنْهِيَ إِلَيَّ، وَ لَسْتُ أُعْفِيكَ فِي كُلِّ مَا أَسْأَلُكَ عَنْهُ حَتَّى تَأْتِيَنِي فِيهِ بِحُجَّةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى،وَ أَنْتُمْ تَدَّعُونَ مَعْشَرَ وُلْدِ عَلِيٍّ أَنَّهُ لاَ يَسْقُطُ عَنْكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ،لاَ أَلِفٌ وَ لاَ وَاوٌ إِلاَّ تَأْوِيلُهُ عِنْدَكُمْ،وَ احْتَجَجْتُمْ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ: مٰا فَرَّطْنٰا فِي الْكِتٰابِ مِنْ شَيْءٍ [4]،وَ قَدِ اسْتَغْنَيْتُمْ عَنْ رَأْيِ الْعُلَمَاءِ وَ قِيَاسِهِمْ.فَقُلْتُ:تَأْذَنُ لِي فِي الْجَوَابِ؟فَقَالَ:هَاتِ.
فَقُلْتُ:أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ،بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ دٰاوُدَ وَ سُلَيْمٰانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسىٰ وَ هٰارُونَ وَ كَذٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ*
[1] في«س»:و الفضل بن عياض،تصحيف.انظر ترجمته في حلية الأولياء 8:84،سير أعلام النبلاء 8:421.
[2] في«س»و«ط»:حبس نوح حينا.
[3] في المصدر:و أنتم ولد البنت.
[4] الأنعام 6:38.