السّهميين؛ فلما تزوّج حسين عابدة [1] بنت شعيب السّهميّة خاصمهم
بسببها؛ و كان جدّ مالك معه و عونا له مع من عاونه، فنشبت بذلك حال بينه و بين بني
هاشم، حتى ولد مالك في دورهم، فصارت دعوته فيهم.
أدرك الدولة
العباسية و قدم على سليمان بن علي فأجازه:
أخبرني الحسين
بن يحيى قال قال حمّاد: قرأت على أبي:
و عمّر مالك
حتى أدرك دولة بني العباس، و قدم على سليمان بن عليّ بالبصرة، فمتّ إليه بخئولته
في قريش، و دعوته لبني هاشم، و انقطاعه إلى ابن جعفر، فعجّل له سليمان صلته و كساه
و كتب له بأوساق [2] من تمر.
ملازمته في
أول أمره باب حمزة بن الزبير و أخذه الغناء عن معبد:
أخبرني جعفر بن
قدامة قال حدّثني ميمون بن هارون قال حدّثني القاسم بن يوسف قال أخبرني الوردانيّ
قال:
كان مالك بن
أبي السّمح المغنّي من طيء، فأصابتهم حطمة [3] في بلادهم بالجبلين، فقدمت به أمه
و بإخوة له و أخوات أيتام لا شيء لهم؛ فكان يسأل الناس على باب/ حمزة بن عبد
اللّه بن الزّبير، و كان معبد منقطعا إلى حمزة يكون عنده في كل يوم يغنّيه؛ فسمع
مالك غناءه فأعجبه و اشتهاه، فكان لا يفارق باب حمزة يسمع غناء معبد إلى الليل،
فلا يطوف بالمدينة و لا يطلب من أحد شيئا و لا يريم موضعه، فينصرف إلى أمه و لم
يكتسب شيئا، فتضربه، و هو مع ذلك يترنّم بألحان معبد و يؤدّيها دورا دورا في مواضع
صيحاته و إسجاحاته و نبراته [4] نغما بغير لفظ و لا رواية شيء من الشعر؛ و جعل
حمزة كلّما غدا و راح رآه ملازما لبابه؛ فقال لغلامه يوما: أدخل هذا الغلام
الأعرابيّ إليّ؛ فأدخله؛ فقال له: من أنت؟ فقال:/ أنا غلام من طيء أصابتنا حطمة
بالجبلين فحطّتنا إليكم و معي أمّ لي و إخوة، و إني لزمت بابك فسمعت من دارك صوتا
أعجبني، فلزمت بابك من أجله؛ قال: فهل تعرف منه شيئا؟
قال: أعرف لحنه
كلّه و لا أعرف الشعر؛ فقال: إن كنت صادقا إنك [5] لفهم. و دعا بمعبد فأمره أن
يغنّي صوتا فغنّاه، ثم قال لمالك: هل تستطيع أن تقوله؟ قال نعم؛ قال: هاته؛ فاندفع
فغنّاه فأدّى نغمه بغير شعر، يؤدّي مدّاته و ليّاته و عطفاته و نبراته و تعليقاته
لا يخرم حرفا؛ فقال لمعبد: خذ هذا الغلام إليك و خرّجه، فليكوننّ له شأن؛ قال
معبد: و لم أفعل ذلك؟ قال: لتكون محاسنه منسوبة إليك، و إلّا عدل إلى غيرك فكانت
محاسنه منسوبة إليه؛ فقال:
غير الذي أنت
له مستحقّ من الباطل أ كنت ترضى بذلك؟ قال لا؛ قال: و كذلك لا يسرّك أن تحمد بما
لم تفعل؛ قال نعم؛ قال: فو اللّه ما شبعت على/ بابك شبعة قطّ و لا انقلبت منه إلى
أهلي بخير؛ فأمر له و لأمّه و لإخوته بمنزل، و أجرى لهم رزقا و كسوة، و أمر لهم
بخادم يخدمهم و عبد يسقيهم الماء، و أجلس مالكا معه في مجالسه، و أمر معبدا
[1]
كذا في ط، ء و فيما سيأتي في أكثر الأصول. و في سائر الأصول هنا: «عائدة».
[2] الأوساق:
جمع وسق (بالفتح) و هو ثلاثمائة و عشرون رطلا عند أهل الحجاز و أربعمائة و ثمانون
رطلا عند أهل العراق على اختلافهم في مقدار الصاع و المدّ.
[3] الحطمة:
السنة و الجدب. و المراد بالجبلين أجأ و سلمى لأنهما جبلا طيء (انظر «معجم ياقوت»
في الكلام عليهما).
[4] قال في
«اللسان» (مادّة نبر): «و نبرة المغني: رفع صوته عن خفض».
[5] لعله
جواب لما قبله على تقدير القسم، أي على تقدير: لئن كنت ... إلخ، و لو كان جوابا
للشرط من غير تقدير القسم لوجب اقترانه بفاء الجزاء.