و ما هو أعزّ لي و أذلّ لك؛ ثم أهوى إلى رجل القشيريّ فسحبه على قفاه
و نحّاه، و أقعد عبد اللّه بن جعدة مكانه.
قال: و عبد
اللّه بن جعدة أوّل من صنع الدّبّابة [1]؛ و كان السبب في ذلك أنهم انتجعوا [2]
ناحية البحرين، فهجموا على عبد لرجل يقال له كودن [3] في قصر حصين، فدخّن العبد و
دعا النساء و الصبيان، فظنوا أنه يطعمهم ثريدا، حتى إذا امتلأ القصر منهم أغلقه
عليهم، فصاح النساء و الصبيان، و قام العبد و من معه على شرف القصر، فجعل لا يدنو
منه أحد إلا رماه؛ فلما رأى ذلك عبد اللّه بن جعدة صنع دبّابة على جذوع النخل و
ألبسها جلود الإبل، ثم جاء بها و القوم يحملونها حتى أسندوها إلى القصر، ثم حفروا
حتى خرقوه [4]؛ فقتل العبد/ و من كان معه و استنقذ صبيانهم و نساءهم. فذلك قول
النابغة:
و يوم دعا ولدانكم عبد كودن
فخالوا لدى الدّاعي ثريدا مفلفلا
و في ابن زياد و هو عقبة خيركم
هبيرة ينزو في الحديد مكبّلا
يعني هبيرة بن
عامر بن سلمة بن قشير، و كان عبد اللّه بن مالك بن عدس بن ربيعة بن جعدة خرج و معه
مالك بن عبد اللّه بن جعدة، حتى مرّوا على بني [5] زياد/ العبسيّين و الرجال غيب،
فأخذوا ابنا لأنس [6] بن زياد و انطلقوا به يرجون الفداء؛ و انطلق عمّه عمارة بن
زياد حتى أتى بني كعب، فلقي هبيرة بن عامر بن سلمة بن قشير، فقال له: يا هبيرة إن
الناس يقولون: إنك بخيل؛ قال: معاذ اللّه! قال: فهب لي جبّتك هذه؛ فأهوى ليخلعها،
فلما وقعت [7] في رأسه وثب عليه فأسره، ثم بعث إلى بني قشير: عليّ و عليّ إن قبلت
من هبيرة أقلّ من فدية حاجب [8] إلا أن يأتوني بابن أخي الذي في أيدي بني جعدة؛
فمشت بنو قشير إلى بني جعدة، فاستوهبوه منهم فوهبوه لهم، فافتدوا به هبيرة.
وحوح أخو
النابغة:
و أما خبر وحوح
أخي النابغة الذي تقدّم ذكره مع نسب أخيه النابغة، فإن أبا عمرو ذكر أن بني كعب
أغارت على بني أسد فأصابوا سبيا و أسرى، فركبت بنو أسد في آثارهم حتى لحقوهم
بالشّريف [9]، فعطفت بنو عدس بن
[1]
الدبابة: آلة تتخذ من جلود و خشب للحرب يدخل فيها الرجال و يقربونها من الحصن
المحاصر لينقبوه و هم في جوفها فتقيهم ما يرمون به من فوقهم.
[5] كذا في
ط، ء: «بني زيد العبسيين». و في م: «بني زيد و العبسيين» و كلاهما تحريف.
[6] كذا في
ط، ء، م، و هو أنس بن زياد العبسيّ و يسمى أنس الفوارس، س و له حديث في يوم أقرن.
(راجع «النقائض» ص 194، 679). و في سائر الأصول: «أوس»، و هو تحريف.
[8] هو حاجب
بن زرارة، و هو من الذين يضرب المثل بفدائهم في الوفرة، و مثله في ذلك بسطام بن
قيس و الأشعث بن قيس بن معديكرب الكندي. (راجع «كتاب ما يعوّل عليه في المضاف و
المضاف إليه»- حرف الفاء). و سيأتي خبر أسر حاجب بن زرارة هذا و فدائه في
«الأغاني» (ج 10 ص 42 طبع بولاق).
[9] كذا في
ط، ء، و الشريف (بصيغة التصغير): ماء لبني نمير، و قيل: إنه واد بنجد. و في سائر
الأصول: «السديف» (بالسين و الدال المهملتين) و هو تحريف.