قال: و أما يوم
الفلج، فإن بكر بن وائل بعثت عينا على بني كعب بن ربيعة حتى جاء الفلج- و هو ماء-
فوجد النّعم بعضه قريبا من بعض، و وجد الناس قد احتملوا، فليس في النّعم إلا من لا
طباخ [1] به من راع أو ضعيف؛ فجاءهم عينهم بذلك، فركبت بكر بن وائل يريدونهم، حتى
إذا كانوا منهم بحيث يسمعون أصواتهم، سمعوا الصّهيل و أصوات الرجال؛ فقالوا لعينهم:
ما هذا ويلك؟! قال: و اللّه ما أدري، و إن هذا لمما لم أعهد، فأرسلوا من يعلم
علمهم؛ فرجع فأخبرهم أن الرجال قد رجعوا، و رأى/ جمعا عظيما و خيولا كثيرة [2]؛
فكّروا راجعين من ليلتهم؛ و أصبحت بنو كعب فرأوا الأثر فاتبعوهم، فأصابوا من
أخرياتهم رجالا و خيلا، فرجعوا بها.
خداش بن زهير
و هبيرة بن عامر:
قال: و أما
قوله:
لو تستطيعون أن تلقوا جلودكم
و تجعلوا جلد عبد اللّه سربالا
فإن السبب في
ذلك أن هبيرة [3] بن عامر بن سلمة بن قشير، لقي خداش [4] بن زهير البكّائيّ،
فتنافرا على مائة من الإبل، و قال كل منهما لصاحبه: أنا أكرم و أعزّ منك؛ فحكّما
في ذلك رجلا من بني ذي الجدّين، فقضى بينهما أنّ أعزّهما و أكرمهما أقربهما من عبد
اللّه بن جعدة نسبا؛ فقال خداش [4] بن زهير: أنا أقرب إليه، أمّ عبد اللّه بن جعدة
عمّتي- و هي أميمة بنت عمرو بن عامر- و إنما أنت أدنى إليه منّي منزلة بأب؛ فلم
يزالا يختصمان في القرابة لعبد اللّه دون المكاثرة بآبائهما إقرارا له بذلك، حتى
فلج [5] هبيرة القشيريّ و ظفر.
عبد اللّه بن
جعدة:
قال أبو عمرو:
و كان عبد اللّه بن جعدة سيّدا مطاعا، و كانت له إتاوة بعكاظ يؤتى بها، يأتيه [6]
بها هذا الحيّ من الأزد و غيرهم؛ فجاء سمير [7] بن سلمة القشيريّ و عبد اللّه جالس
على ثياب قد جمعت له من إتاوته، فأنزله عنها و جلس مكانه؛ فجاء رياح [8] بن عمرو
بن ربيعة بن عقيل- و هو الخليع، سمّي بذلك لتخلّعه عن/ الملوك لا يعطيهم الطاعة-
فقال للقشيريّ: مالك و لشيخنا تنزله عن إتاوته و نحن هاهنا حوله! فقال القشيريّ:
كذبت، ما هي له! ثم مدّ القشيريّ رجله فقال: هذه رجلي فاضربها إن كنت عزيزا؛ قال:
لا! لعمري لا أضرب رجلك؛ فقال له القشيريّ: فامدد لي رجلك حتى تعلم أ أضربها أم
لا؛ فقال: و لا أمدّ لك رجلي، و لكن أفعل ما لا تنكره العشيرة
[1]
الطباخ (رواه الإيادي بفتح الطاء و الأزهريّ بضمها): القوّة و السمن.
[2] كذا في
ط، ء، م. و في سائر الأصول: «و خلقا كثيرا».
[3] كذا في
ط، ء، م و كتاب «النقائض» و فيما سيأتي في كل الأصول. و في باقي الأصول هنا:
«زهير» و هو تحريف.
[4] كذا في
ط، ء، م و كتاب «النقائض» و كذلك صححه الأستاذ الشنقيطي في نسخته. و في باقي
الأصول: «خراش» بالراء، و هو تحريف.