- الشعر لكعب بن زهير [3]. و الغناء لإسحاق، و
له فيه لحنان: ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر، و ماخوريّ بالوسطى. و فيه للزّبير
بن دحمان خفيف ثقيل- قال: فجاءنا إسحاق يوما، و أقام عند أبي، و أخرجنا إليه
جوارينا، و مرّ الصوت الذي طرحه إبراهيم/ بن المهديّ من غنائه؛ فقال إسحاق: من أين
لك هذا؟ قال: طرحه أبو إسحاق إبراهيم بن المهديّ أعزّه اللّه تعالى؛ فقال إسحاق: و
ما لأبي إسحاق أعزّه اللّه و لهذا الصوت! هذا أنا صنعته، و ليس هو كما طرّحه. قال:
فسأله أبي أن يغنّيه، فغنّاه و ردّده [4] حتى صحّ لمن عنده؛ فقال لي أبي: اكتب إلى
أبي إسحاق أن أبا محمد أعزّه اللّه صار إليّ فاحتبسته، و أنه غنّى بحضرتي الصوت
الذي ألقيته في منزلك الذي أسكنه، فزعم أنه صنعه، و أنه ليس على ما أخذه الجواري
عنك، فأحببت أن أعلم ما عندك، جعلني اللّه فداك. قال: فكتبت [5] الرّقعة و أنفذتها
إلى إبراهيم. فكتب: نعم، جعلت فداك، صدّق أبو محمد أعزّه اللّه، الصوت له، و هو
على ما ذكره، لكنّي لعبت في وسطه لعبا أعجبني. قال: فقرأ إسحاق الرقعة فغضب غضبا
شديدا، ثم قال لي: اكتب إليه: «إذا أردت يا هذا أن تلعب فالعب في غناء نفسك لا في
غناء الناس، و ما حاجتك إلى هذا الشعر أكثر من ذلك، فاصنع أنت إن كنت تحسن، و العب
في صنعتك كما تشتهي مبتدئا باللهو و اللعب غير مشارك في جدّ الناس بلعبك و مفسد له
بما لا تعلمه. يا أبا/ إسحاق، أيّدك اللّه، ليس هذا الصوت مما يتهيّأ لك أن تمخرق
[6] فيه و تقول: جندرته». قال: و كان إبراهيم يقول: إنه يجندر صنعة القدماء و
يحسّنها.
مناظرته
إبراهيم بن المهدي في الغناء بين يدي المعتصم:
قال عليّ بن
محمد حدّثني جدّي حمدون:
أن إسحاق قال
لإبراهيم بن المهديّ بحضرة المعتصم: ما تقول فيمن يزعم أنّ ابن سريج و ابن محرز و
معبدا و مالكا و ابن عائشة لم يكونوا يحسنون تمام الصّنعة/ و لا استيفاء الغناء، و
يعجزون عما به يكمل و يتمّ و يحسن،
[1]
ذو حرض: واد لبني عبد اللّه بن غطفان، بينه و بين معدن النقرة خمسة أميال. (انظر
«معجم ياقوت» في اسم ذي حرض و النقرة).
[2] فرط
الشيء: مضى و ذهب. و أحال: أتى عليه أحوال أي سنون.
[3] ورد هذا
الشعر في «ديوان زهير بن أبي سلمى» و «شرحه» للأعلم الشنتمري و ثعلب و غيرهما من
النسخ المخطوطة و المطبوعة المحفوظة بدار الكتب المصرية ضمن قصائده، و قد مدح به
سنان بن أبي حارثة أبا هرم و هما ممدوحاه و لم يكونا ممدوحي كعب حيث يقول فيه:
إليك سنان الغداة الرحي
ل أعصى النهاة و أمضى الفئولا
كما ذكره
لزهير أيضا أبو عبيد البكري و ياقوت الحموي في معجميهما أثناء كلامهما على «حرض»،
و ذكره المؤلف له أيضا في ترجمته (ج 9 ص 152 طبع بولاق) و قد ورد في جميع هذه
المصادر «سلمى» بدل «ليلى» و سلمى هذه محبوبته التي يشبب بها في شعره.
[4] كذا في
ح. و في سائر الأصول: «فردده» بالفاء بدل الواو.
[5] كذا في
ح. و في سائر الأصول: «فكتبته الرقعة»، و هو تحريف.
[6] مخرق:
موّه. و جندره: أصلحه و صقله. قال في «اللسان» (مادة جدر): «قال الجوهري: و جندرت
الكتاب إذا أمررت القلم على ما درس منه ليتبين. و كذلك الثوب إذا أعدت وشيه بعد ما
كان ذهب، قال: و أظنه معرّبا».