قال إسحاق: فقلت له: أ ليس غير هذا؟ فقال: لا، إنما أرسلته يتيما؛
فقلت: أ فلا أجيزه؟ قال: شأنك؛ فقلت له:
فبيتك خير من بيوت كثيرة
و قدرك خير من وليمة جارك
/ قال: فضحك ثم قال: أحسنت بأبي أنت و أمي، جئت
و اللّه به قبلا [1] ما انتظرت به القرب، و ما ألوم الخليفة أن يجعلك في سمّاره و
يتملّح بك، و إنك لمن طراز ما رأيت بالعراق مثله، و لو كان الشباب يشترى لا انتعته
لك بإحدى عينيّ و يمنى يديّ، و على أن فيك بحمد اللّه و منّه بقيّة تسرّ الودود، و
ترغم الحسود. هذا لفظ يزيد المهلّبيّ و الأخفش. و أخبرني بهذا الخبر محمد بن عبد
اللّه بن عمّار فقال حدّثني عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق قال قال لي إمّا/ شدّاد
بن عقبة و إما أبو مجيب [2]:
قالت امرأة
القتّال الكلابيّ له: هل لك في فلقة من حوار نطبخها لك؟ فقال: لا و اللّه، نحن على
وليمة أبي سفيان و دعوته، و كان أبو سفيان رجلا من الحيّ زفّت إليه امرأته تلك
الليلة؛ فجعل ينظر دخانا فلا يراه، فقال:
إنّ أبا سفيان ليس بمولم
فقومي فهاتي فلقة من حوارك
ثم ذكر باقي
الخبر على ما تقدّم من الذي قبله.
أنشد أعرابيا
شعرا له فمدحه:
أخبرنا يحيى بن
عليّ قال حدّثني أبيّ قال حدّثني إسحاق قال:
أنشدت أعرابيّا
فهما شعرا لي، فقال: أقفرت و اللّه يا أبا محمد؛ قلت: و ما أقفرت؟ قال: رعيت قفرة
لم ترع قبلك. (يريد: أبدعت).
دخل على
المأمون و عقيد يغنيه فتبين خطأ في الغناء لم يتبينه أحد ممن حضر:
أخبرني عليّ بن
سليمان الأخفش و عمّي قالا حدّثنا محمد بن يزيد المبرّد قال حدّثني بعض أصحاب
السلطان بمدينة السلام قال سمعت إسحاق الموصليّ يقول:
دخلت على
المأمون يوما و عقيد يغنّيه ارتجالا و غيره يضرب عليه؛ فقال: يا إسحاق، كيف تسمع
مغنّينا هذا؟
فقلت: هل سأل
أمير المؤمنين عن هذا غيري؟ قال: نعم، سألت عمّي إبراهيم فوصفه و قرّظه و استحسنه؛
فقلت له:
يا أمير
المؤمنين- أدام اللّه سرورك، و أطاب عيشك- إنّ الناس قد أكثروا في أمري حتى نسبتني
فرقة إلى التّزيّد في علمي؛ فقال لي: فلا يمنعك ذلك من قول الحق إذا لزمك؛ فقلت
لعقيد: اردد هذا الصوت الذي غنّيته آنفا، و تحفّظ فيه و ضرب ضاربه عليه؛ فقلت
لإبراهيم بن المهديّ: كيف رأيته؟ فقال: ما رأيت شيئا يكره و لا سمعته؛
[1]
القبل (بالتحريك): الارتجال أي التكلم بكلام لم يكن قد أعدّه، يقال: تكلم قبلا
فأجاد، و اقتبل الكلام و الخطبة اقتبالا إذا ارتجلهما و لم يكن أعدّهما. و القبل
أيضا: أن يورد الرجل إبله فيستقي على أفواهها و لم يكن هيأ لها قبل ذلك شيئا. و
القرب (بالتحريك): أن يكون بين القوم و بين الماء ليلة أو عشية فيعجلون بإبلهم و
يسوقونها إليه سوقا شديدا. يريد أنه جاء به ارتجالا و عفو الخاطر من غير أن يتريث
به و يكد سعيا في طلبه.
[2] كذا في ح
و كذلك صححه المرحوم الشنقيطي في نسخته، و هو أبو مجيب الريفي، كما سيأتي ذكره بعد
قليل في أخبار إسحاق.