فركبت أدور في ظهر الحيرة، فنظرت إلى بستان فقصدته فإذا على بابه
شابّ حسن الوجه، فاستأذنته في الدخول فأذن لي، فدخلت فإذا جنّة من الجنان في أحسن
تربة و أغزرها ماء، فخرجت فقلت له: لمن هذا البستان؟ فقال:
لبعض الأشاعثة
[1]؛ فقلت له: أ يباع؟ فقال: نعم و هو على سوم؛ فقلت: كم بلغ؟ فقال: أربعة عشر ألف
دينار؛ قلت: و ما يسمّى هذا الموضع؟ قال: شمارى؛ فقلت:
/ قال: و حضرتني فيه صنعة حسنة؛ فلما جلس
الرشيد و أمر بالغناء غنّيته إياه أوّل ما غنّيت؛ فقال: ويلك! و أين شمارى؟
فأخبرته القصّة؛ فأمر لي بأربعة عشر ألف دينار؛ و غمزني جعفر بن يحيى فقال: خذ
توقيعه بها إليّ؛ و تشاغل الرّشيد عنّي، فأعدت الصوت، فقال: ويلكم! أعطوا هذا
دنانيره؛ فوثبت و قلت: يا سيّدي، وقّع لي بها إلى جعفر بن يحيى؛ فقال: أفعل، و
وقّع لي بها إليه؛ فلمّا حصل التوقيع عند جعفر أطلق لي المال و خمسة آلاف دينار من
عنده؛ فلما حصل المال عندي كان أحبّ إليّ و أحسن في عيني من شمارى.
عرض الرشيد
أبياتا ليجيزها الشعراء ثم أمره فغنى فيها:
أخبرني [4]
جعفر بن قدامة قال أخبرني أبو العيناء قال:
خرج الفضل بن
الرّبيع يوما من حضرة الرشيد و معه رقعة فيها أربعة أبيات، فقال: إن أمير المؤمنين
يأمر كلّ من حضر ممن يقول الشعر أن يجيزها، و هي:
/ فلم يوجد من يجيزها، فأمر إبراهيم فغنّى فيها
لحنا من خفيف الثقيل.
انقطع عن
الرشيد في سفره عند خمار و شعره في ذلك:
أخبرني محمد بن
خلف وكيع قال حدّثني أبو العبّاس البصريّ [6] قال حدّثني عبد اللّه بن الفضل بن
الرّبيع قال سمعت أبي يقول:
[1]
الأشاعثة: منسوبون إلى الأشعث بن قيس بن معديكرب الكندي أبي محمد الصحابي، وفد على
النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و روى عنه و عن عمر رضي اللّه عنه، و نزل الكوفة و
مات بها في آخر سنة أربعين هجرية و هو ابن ثلاث و ستين سنة.