الرجل فطربت المرأة، ثم أمر به فخصي. و سأل عن الغناء أين أصله؟
فقيل: بالمدينة في المخنّثين، و هم أئمّته و الحذّاق فيه. فكتب إلى أبي بكر بن
محمد بن عمرو بن حزم الأنصاريّ، و كان عامله عليها، أن أخص [1] من قبلك من المخنّثين
المغنّين- فزعم موسى بن جعفر بن/ أبي كثير قال أخبرني بعض الكتّاب قال: قرأت كتاب
سليمان في الديوان، فرأيت على الخاء نقطة كتمرة العجوة. قال: و من لا يعلم يقول:
إنّه صحّف القارئ، و كانت أحص- قال: فتتبعهم ابن حزم فخصى منهم تسعة؛ فمنهم
الدّلال، و طريف [2]، و حبيب نومة الضّحى. و قال بعضهم حين خصي: سلم الخاتن و
المختون. و هذا كلام يقوله الصبيّ إذا ختن.
قال: فزعم ابن
أبي ثابت الأعرج قال أخبرني حماد بن نشيط الحسنيّ قال: أقبلنا من مكة و معنا
بدراقس [3] و هو الذي ختنهم، و كان غلامه قد أعانه على خصائهم، فنزلنا على حبيب
نومة الضّحى، فاحتفل لنا و أكرمنا. فقال له ثابت [4]: من أنت؟ قال: يا ابن أخي أ
تجهلني و أنت وليت ختاني! أو قال: و أنت ختنتني. قال: وا سوأتاه! و أيّهم أنت؟ قال
أنا حبيب. [قال ثابت:] [5] فاجتنبت طعامه و خفت أن يسمني. قال: و جعلت لحية
الدّلال بعد سنة أو سنتين تتناثر. و أمّا ابن الكلبيّ فإنه ذكر عن أبي مسكين و
لقيط أن أيمن كتب بإحصاء من في المدينة من المخنّثين ليعرفهم، فيوفد عليه من
يختاره للوفادة؛ فظنّ [الوالي] [5] أنه يريد الخصاء، فخصاهم.
أخبرني وكيع
قال حدّثني أبو أيّوب المدينيّ قال حدّثني محمد بن سلّام قال حدّثني ابن جعدبة، و
نسخت أنا من كتاب أحمد بن الحارث الخرّاز عن المدينيّ عن ابن جعدبة و اللفظ له:
أنّ الذي هاج
سليمان بن عبد الملك على ما صنعه بمن كان بالمدينة من/ المخنّثين، أنّه كان
مستلقيا على فراشه في الليل، و جارية له إلى جنبه، و عليها غلالة و رداء/ معصفران،
و عليها وشاحان من ذهب، و في عنقها فصلان من لؤلؤ و زبرجد و ياقوت، و كان سليمان
بها مشغوفا [6]، و في عسكره رجل يقال له سمير الأيليّ يغنّي، فلم يفكّر سليمان في
غنائه شغلا بها و إقبالا عليها، و هي لاهية عنه لا تجيبه مصغية إلى الرجل، حتى طال
ذلك عليه، فحوّل وجهه عنها مغضبا، ثم عاد إلى ما كان مشغولا عن فهمه بها، فسمع
سميرا يغنّي بأحسن صوت و أطيب نغمة:
[1]
ذكر الجاحظ في كتاب «الحيوان» (ج 1 ص 55 طبع مصر): أن الذي أمر بخصاء المخنثين هو
هشام بن عبد الملك، و أن الذي تولى ذلك هو عثمان بن حيّان والي المدينة. ثم ساق
بعد ذلك طرفا من القصة.