رجل عزب [1]، و نساء المدينة خاصّة يردن المطاولة في الجماع، و كأنّي
بك كما تدخله عليها تفرغ و تقوم، فتبغضك و تمقتك و لا تعاودك بعدها و لو أعطيتها
الدنيا، و لا تنظر في وجهك بعدها. فلا يزال في مثل هذا القول حتّى يعلم أنّه قد
هاجت شهوته؛ فيقول له: كيف أعمل؟ قال: تطلب زنجيّة فتنيكها مرّتين أو ثلاثا حتى
تسكن غلمتك؛ فإذا دخلت الليلة إلى أهلك لم تجد أمرك إلّا جميلا. فيقول له ذاك:
أعوذ باللّه من هذه الحال، أ زنا و زنجيّة! لا و اللّه لا أفعل! فإذا أكثر محاورته
قال له: فكما جاء عليّ قم فنكني أنا حتّى تسكن غلمتك و شبقك؛ فيفرح فينيكه مرّة أو
مرّتين. فيقول له: قد استوى أمرك الآن و طابت نفسك، و تدخل على زوجتك فتنيكها نيكا
يملؤها سرورا و لذّة.
فينيك المرأة
قبل زوجها، و ينيكه الرجل قبل امرأته. فكان ذلك دأبه، إلى أن بلغ خبره سليمان بن
عبد الملك، و كان غيورا شديد الغيرة، فكتب بأن يحصى هو و سائر المخنّثين [بالمدينة
و مكة] [2]، و قال: إنّ هؤلاء يدخلون على نساء قريش و يفسدونهنّ. فورد الكتاب على
ابن حزم فخصاهم. هذه رواية إسحاق عن الزّبيري. و السبب في هذا أيضا مختلف فيه، و ليس
كلّ الرواة يروون ذلك كما رواه مصعب.
رواية أخرى
في السبب الذي خصي من أجله الدلال و سائر المخنثين بالمدينة:
فممّا روي من
أمرهم ما أخبرني به أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ- و هذا الخبر أصحّ ما روي في ذلك
إسنادا- قال أخبرنا أبو زيد عمر بن شبّة عن معن/ بن عيسى، هكذا رواه الجوهريّ، و
أخبرنا به إسماعيل بن يونس قال حدّثني عمر بن شبّة قال حدّثني أبو غسّان قال: قال
ابن جناح حدّثني معن بن عيسى عن عبد الرحمن بن أبي الزّناد عن أبيه و عن [3] محمد
بن معن الغفاريّ قالا:
/ كان سبب ما
خصي له المخنّثون بالمدينة أنّ سليمان بن عبد الملك كان في نادية [4] له يسمر ليلة
على ظهر سطح، فتفرّق عنه جلساؤه، فدعا بوضوء فجاءت به جارية له. فبينا هي تصبّ
عليه إذ أومأ بيده و أشار بها مرّتين أو ثلاثا، فلم تصبّ عليه؛ فأنكر ذلك فرفع
رأسه، فإذا هي مصغية بسمعها إلى ناحية العسكر، و إذا صوت رجل يغنّي، فأنصت له حتى
سمع جميع ما تغنّى به. فلمّا أصبح أذن للناس، ثم أجرى ذكر الغناء فليّن فيه حتى
ظنّ القوم أنه يشتهيه و يريده، فأفاضوا فيه بالتّسهيل و ذكر من كان يسمعه. فقال
سليمان: فهل بقي أحد يسمع منه الغناء؟ فقال رجل من القوم: عندي يا أمير المؤمنين
رجلان من أهل أيلة مجيدان محكمان. قال: و أين منزلك؟ فأومأ إلى الناحية التي كان
الغناء منها. قال: فابعث إليهما، ففعل. فوجد الرسول أحدهما، فأدخله على سليمان؛
فقال: ما اسمك؟ قال: سمير، فسأله عن الغناء، فاعترف به. فقال: متى عهدك به؟ قال:
الليلة الماضية. قال: و أين كنت؟
فأشار إلى
الناحية التي سمع سليمان منها الغناء. قال: فما غنّيت به؟ فأخبره الشعر الذي سمعه
سليمان. فأقبل على القوم فقال: هدر الجمل فضبعت [5] الناقة، و نبّ التّيس فشكرت
الشاة، و هدر [6] الحمام فزافت [7] الحمامة، و غنّى