محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها! الغوث الغوث! قال: فشغلني عنه و
شغله عنّي ما جاء من الأمر. قال:
فتجهّز الناس
سراعا، و قالوا: لا يظنّ محمد و أصحابه أن تكون كعير ابن الحضرميّ [1]! كلّا و
اللّه ليعلمنّ غير ذلك! فكانوا بين رجلين: إمّا خارج و إمّا باعث مكانه رجلا.
خروج قريش و
إرسال أبي لهب العاصي بن هشام مكانه:
و أوعبت قريش
فلم يتخلّف من/ أشرافها أحد إلا أبو لهب بن عبد المطلب تخلّف فبعث مكانه العاصي بن
هشام بن المغيرة، و كان لطّ [2] له بأربعة آلاف درهم كانت له عليه، فأفلس [3] بها،
فاستأجره بها على أن يجزئ عنه بعثه، فخرج عنه و تخلّف أبو لهب. هكذا في الحديث.
فذكر أبو عبيدة و ابن الكلبيّ: أنّ أبا لهب قامر العاصي بن هشام في مائة من الإبل،
فقمره [4] أبو لهب، ثم عاد فقمره أيضا، ثم عاد فقمره أيضا الثالثة، فذهب بكلّ ما
كان يملكه. فقال له العاصي: أرى القداح قد حالفتك يا ابن عبد المطّلب، هلمّ نجعلها
على أيّنا يكون عبدا لصاحبه؛ قال: ذلك لك؛ فدحاها [5] فقمره أبو لهب، فأسلمه قينا،
و كان يأخذ منه ضريبة. فلما كان يوم بدر و أخذت قريش كلّ من لم يخرج بإخراج رجل
مكانه أخرجه أبو لهب عنه و شرط له العتق؛ فخرج فقتله عليّ بن أبي طالب رضي اللّه
عنه.
رجع الحديث إلى
وقعة بدر.
وبخ ابن أبي
معيط أمية بن خلف لإجماعه القعود فخرج:
قال محمد بن
إسحاق: و حدّثني عبد اللّه بن أبي نجيح:
أنّ أميّة بن
خلف كان قد أجمع القعود، و كان شيخا [جليلا جسيما] [6] ثقيلا، فجاءه عقبة بن أبي
معيط و هو جالس في المسجد بين ظهراني قومه بمجمرة يحملها، فيها نار و مجمر [7]،
حتّى وضعها بين يديه، ثم قال: يا أبا عليّ، استجمر فإنّما أنت/ من النساء! قال: قبّحك
اللّه و قبّح ما جئت به! ثم تجهّز و خرج مع الناس. فلمّا فرغوا من جهازهم و أجمعوا
السير، ذكروا ما [كان] [8] بينهم و بين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب
[9]، فقالوا: إنّا نخشى أن يأتوا من خلفنا.
تخوّف قريش
من كنانة و تأمين إبليس لهم:
قال محمد بن إسحاق:
فحدّثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزّبير قال: لمّا أجمعت قريش المسير ذكرت
[1]
هو عمرو بن الحضرمي. و قد أورد ابن هشام في «السيرة» خبر هذه العير.
[2] كذا في
هامش «تاريخ الطبري» (ص 1295 من القسم الأوّل). و لط الغريم بالحق: ما طل فيه و
منعه، و لط حقه: جحده. و في حديث طهفة: «لا تلطط في الزكاة» أي لا تمنعها. و في
الأصول: «لاط» و هو تحريف.
[5] دحاها:
رماها. و الدحو: رمى اللاعب بالحجر أو الجوز و غيره. و ذلك أنهم كانوا يحفرون حفرة
بمقدار الحجر الذي يريدون رميه، ثم يتنحون عنها قليلا و يرمون بالأحجار إليها؛ فإن
وقعت الأحجار في الحفرة غلب صاحبها و إن لم تقع فيها غلب. و تسمى تلك الأحجار
المداحي، واحدها: مدحاة.