responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الاغانی المؤلف : ابو الفرج الإصفهاني    الجزء : 4  صفحة : 377

وقف بالأبطح، ثم صرخ بأعلى صوته: أن انفروا/ يا آل غدر [1] لمصارعكم في ثلاث؛ و أرى [2] الناس قد اجتمعوا إليه، ثم دخل المسجد و الناس يتبعونه؛ فبينما هم حوله مثّل به بعيره على ظهر الكعبة، ثم صرخ بأعلى صوته:

انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث، ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس فصرخ بمثلها، ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوي، حتّى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضّت [3]، فما بقي بيت من بيوت مكة و لا دار من دورها إلّا دخلتها منها فلقة. قال العباس: إنّ هذه لرؤيا، و أنت فاكتميها و لا تذكريها لأحد. ثم خرج العبّاس فلقي الوليد بن عتبة بن ربيعة، و كان له صديقا، فذكرها [له‌] [4] و استكتمه إيّاها؛ فذكرها الوليد لأبيه عتبة، ففشا الحديث [بمكة] [4] حتى تحدثت به قريش. قال العبّاس: فغدوت أطوف بالبيت، و أبو جهل بن هشام و رهط من قريش قعود يتحدّثون برؤيا عاتكة. فلمّا رآني أبو جهل قال: يا أبا الفضل، إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا؛ فلمّا فرغت أقبلت إليه حتى جلست معهم. فقال لي أبو جهل: يا بني عبد المطّلب [5]، متى حدثت فيكم هذه النّبيّة؟! قال: قلت: و ما ذاك؟

قال: الرؤيا التي رأت عاتكة. قلت: و ما رأت؟ قال: يا بني عبد المطّلب، أ ما رضيتم أن تتنبّأ رجالكم حتى تتنبّأ نساؤكم! قد زعمت عاتكة في رؤياها أنّها [6] قالت: انفروا في ثلاث؛ فسنتربّص بكم هذه الثلاث؛ فإن يكن ما قالت حقّا فسيكون، و إن تمض الثلاث و لم يكن من ذلك شي‌ء نكتب كتابا عليكم أنّكم أكذب أهل بيت في العرب. قال العبّاس:/ فو اللّه ما كان إليه منّي كبير إلّا أن جحدت ذلك و أنكرت أن تكون رأت شيئا. قال: ثم تفرّقنا. فلمّا أمسينا [7] لم تبق امرأة من بني عبد المطّلب إلّا أتتني فقالت: أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم، و يتناول النساء و أنت تسمع، و لم يكن عندك غير [8] لشي‌ء مما سمعت؟! قلت: قد و اللّه فعلت، ما كان منّي إليه من كبير، و أيم اللّه لأتعرّضنّ له؛ فإن عاد لأكفينّكه [9]. قال: فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة و أنا حديد مغضب أرآى [أنّي‌] [10] قد فاتني منه أمر أحبّ أن أدركه منه. قال: فدخلت المسجد فرأيته، فو اللّه إنّي لأمشي نحوه العرضنة [11] ليعود لبعض ما كان فأوقع به. و كان رجلا خفيفا حديد الوجه حديد اللّسان حديد النّظر، إذ خرج نحو باب المسجد يشتدّ [12]. قال: قلت في نفسي: ما له لعنه اللّه! أ كلّ هذا فرقا أن أشاتمه! فإذا هو قد سمع ما لم أسمع، صوت ضمضم بن عمرو الغفاريّ/ و هو يصرخ ببطن الوادي [واقفا على بعيره قد جدّع بعيره و حوّل رحله و شقّ قميصه و هو يقول‌] [10]: يا معشر قريش اللّطيمة [13] [اللطيمة!] [10] أموالكم مع أبي سفيان بن حرب قد عرض لها


[1] غدر: كصرد، و أكثر ما يستعمل في النداء في الشتم؛ فيقال للمفرد يا غدر، و للجمع يا آل غدر. و قال ابن الأثير: غدر معدول عن غادر للمبالغة. و يقال للذكر: غدر، و الأنثى غدار (كقطام)، و هما مختصان بالنداء في الغالب.

[2] في «السيرة»: «فأرى».

[3] أرفضت: تفرّقت.

[4] الزيادة عن «سيرة ابن هشام».

[5] كذا في «السيرة». و في الأصول: «يا بني عبد مناف» و لا يخفى أن عبد مناف جد عبد المطلب.

[6] في «سيرة ابن هشام»: «أنه قال انفروا إلخ» و يكون المراد بضمير المذكر الهاتف الذي رأته.

[7] في «السيرة»: «أمسيت».

[8] مصدر قولك: غار الرجل على امرأته غيرة و غيرا.

[9] كذا في «السيرة». و في الأصول: «لأكفينكموه» و هو تحريف إذ الخطاب لجماعة الإناث.

[10] زيادة عن «السيرة».

[11] يقال: فلان يمشي العرضنة و العرضنى أي في مشيته بغى من نشاطه. و في «السيرة لابن هشام»: «إني لأمشي نحوه أتعرّضه».

[12] يشتدّ: يعدو.

[13] اللطيمة: العير يحمل الطيب و بزّ التجار.

اسم الکتاب : الاغانی المؤلف : ابو الفرج الإصفهاني    الجزء : 4  صفحة : 377
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست