فرجع إلى صحراء منعج، و هي
إلى جنب أضاخ، و الحلّة قريب منها، و فيها منازل عكل، فكان يتردد و لا يقرب الحلة،
و قد كان أكثر الجعل فيه، فمرّ بابني فائد/ ابن حبيب من بني أسد، ثم من بني فقعس
فقال: أجيرا متنكرا، فحلبا له، فشرب و مضى لا يعرفانه، و ذهبا، ثم لبث السمهري
ساعة، و كرّ راجعا فتحدث إلى أخت ابني فائد، فوجداه منبطحا على بطنه يحدثها، فنظر
أحدهما إلى ساقه مكدّحة [2]، إذا كدوح طريّة، فأخبر أخاه بذلك، فنظر، فرأى ما
أخبره أخوه، فارتابا به، فقال أحدهما: هذا و اللّه السمهريّ الذي جعل فيه ما جعل،
فاتفقا على مضابرته [3]، فوثبا عليه، فقعد أحدهما على ظهره، و أخذ الآخر برجليه
فوثب السمهري، فألقى الذي على ظهره، و قال: أ تلعبان؟ و قد ضبط رأس الذي كان على ظهره
تحت إبطه، و عالجه الآخر، فجعل [4] رأسه تحت إبطه أيضا، و جعلا يعالجانه، فناديا
أختهما أن تعينهما، فقالت: أ لي الشّرك في جعلكما؟ قالا: نعم، فجاءت بجرير [5]
فجعلته في عنقه بأنشوطه ثم جذبته، و هو مشغول بالرّجلين يمنعهما، فلما استحكمت
العقدة، و راحت من علابيّه [6] خلى عنهما، و شد أحدهما، فجاء بصرار [7]، فألقاه في
رجله، و هو يداور الآخر، و الأخرى تخنقه؛ فخرّ لوجهه، فربطاه، ثم انطلقا به إلى
عثمان بن حيان المرّيّ، و هو في إمارته على المدينة فأخذا ما جعل لأخذه، فكتب فيه
إلى الخليفة، فكتب أن أدفعه إلى ابن أخي عون: عدي، فدفع إليه، فقال السمهريّ: أ
تقتلني و أنت لا تدري أقاتل عمك أنا أم لا؟ ادن أخبرك، فأراد الدّنوّ منه، فنودي:
إياك و الكلب، و إنما أراد أن يقطع أنفه، فقتله بعمه. و لما حبسه ابن حيّان في
السجن تذكر زجر اللّهبيّ و صدقه، فقال: