إسماعيل، و هو عامله على
المدينة، و إلى عامل اليمامة أن يطلبوا قتلة عون، و يبالغوا في ذلك؛ و أن يأخذوا
السّعاة به أشد أخذ، و يجعلوا لمن دلّ عليهم جعله [1]، و انشام [2] السمهريّ في
بلاد غطفان في بلاد ما شاء اللّه.
ثم مرّ بنخل، فقالت عجوز
من بني فزارة: أظن و اللّه هذا العكليّ الذي قتل عونا، فوثبوا عليه، فأخذوه، و مر
أيوب بن سلمة المخزوميّ بهم، فقالت له بنو فزارة: هذا العكليّ قاتل عون ابن عمك،
فأخذه منهم، فأتى به هشام بن إسماعيل المخزومي عامل عبد الملك على المدينة، فجحد و
أبى أن يقرّ، فرفعه إلى السجن فحبسه.
و زعم آخرون أن بني عذرة
أخذوه فلما عرفت إبل عون في يدي شافع بن واتر اتهموه بقتله، فأخذوه، و قالوا:
أنت قرفتنا [3]، قتلت
عونا، و حبسوه بصلّ: ماء لبني أسد، و جحد، و قد كان عرف من قتله، إما أن يكون كان
معهم، فورّي عنهم، و برأ نفسه، و إما أن يكون أودعوها إياه، أو باعوها منه، فقال
شافع:
فعرفوا من قتله، فألحّوا
على بهدل في الطلب، و ضيقوا على السمهريّ في القيود و السجن، و جحد، فلما كان ذلك
من إلحاحهم على السمهريّ أيقنت نفسه أنه غير ناج، فجعل يلتمس الخروج من السجن،
فلما كان يوم الجمعة و الإمام يخطب، و قد شغل الناس بالصلاة فكّ إحدى حلقتي قيده،
و رمى بنفسه من فوق السجن، و الناس في صلاتهم، فقصد نحو الحرة، فولج غارا من
الحرة، و انصرف الإمام من الصلاة فخاف أهل المدينة عامتهم أتباعه، و غلقوا
أبوابهم، و قال لهم الأمير: اتّبعوه فقالوا: و كيف نتبعه وحدنا، فقال لهم: أنتم
ألفا رجل، فكيف تكونون وحدكم؟ فقالوا: أرسل معنا الأبلّيّين؛ و هم حرس و أعوان من
أهل الأبلّة، فأعجزهم الطلب، فلما أمسى كسر الحلقة الأخرى، ثم همس [7] ليلته طلقا،
فأصبح و قد قطع أرضا بعيدة، فبينا هو يمضي إذ نعب غراب عن شماله، فتطيّر، فإذا
الغراب على شجرة بان ينشنش [8] ريشه، و يلقيه، فاعتاف [9] شيئا في نفسه، فمضى، و
فيها ما فيها، فإذا هو قد لقي راعيا في وجهه ذلك، فسأله: من أنت؟ قال: رجل من لهب
من أزد شنوءة أنتجع أهلي، فقال له:
هل عندك شيء من زجر قومك؟
فقال: إني لآنس من ذلك شيئا أي/ لأبصر، فقص عليه حاله غير أنه ورّى [10] الذّنب
على غيره و العيافة، و خبّره عن الغراب و الشجرة، فقال اللّهبيّ: هذا الذي فعل ما
فعل، و رأى الغراب على