responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الاغانی المؤلف : ابو الفرج الإصفهاني    الجزء : 19  صفحة : 197

فغلبني الضحك، و أمرت به فتنحّى، و جهدت به أن يغني، فامتنع حتى حلفت له بحياتك يا أمير المؤمنين أنى أفرش له داره، و خدعته فلم أسمّ له ما أفرشها به، فقال الرشيد: طيّب و اللّه! الآن تمّ لنا به اللهو، و هو ذا أدعو به، فإذا رآك فسوف يقتضيك الفرش، لأنك حلفت له بحياتي، فهو يتنجّز ذلك بحضرتي ليكون أوثق له، فقل له: أنا أفرشها لك بالبواري [1]، و حاكمه إليّ. ثم دعا به فأحضر، فما استقرّ في مجلسه حتى قال لجعفر بن يحيى: الفرش الّذي حلفت لي بحياة أمير المؤمنين أنك تفرش به داري، تقدّم فيه، فقال له جعفر: اختر، إن شئت فرشتها لك بالبواري، و إن شئت بالبرديّ من الحصر، فضج و اضطرب.

فقال له الرشيد: و كيف كانت القصة؟ فأخبره، فقال له: أخطأت يا أبا صدقة، إذ لم تسمّ النوع و لا حدّدت القيمة، فإذا فرشها لك بالبواري أو بالبرديّ أو بما دون ذلك فقد و في يمينه، و إنما خدعك، و لم تفطن له أنت، و لا توثقت، و ضيّعت حقك. فسكت،/ و قال: نوفّر البرديّ و البواريّ عليه أيضا، أعزه اللّه. و غنى المغنون حتى انتهى إليه الدور، فأخذ يغني غناء الملّاحين و البنائين و السقائين و ما جرى مجراه من الغناء، فقال له الرشيد: أيش هذا الغناء ويلك! قال: من فرشت داره بالبواري و البردي فهذا الغناء كثير منه، و كثير أيضا لمن هذه صلته، فضحك الرشيد و اللّه و طرب و صفّق، ثم أمر له بألف دينار من ماله و قال له: افرش دارك من هذه، فقال: و حياتك لا آخذها يا سيدي أو تحكم لي على جعفر بما وعدني، و إلّا متّ و اللّه أسفا لفوات ما حصل في طمعي و وعدت به، فحكم له على جعفر بخمسمائة دينار، فقبلها جعفر، و أمر له بها.

قصة وصوله إلى السلطان‌

أخبرني محمد بن مزيد، قال: حدثنا حماد بن إسحاق، عن أبيه، قال: كان سبب وصول أبي صدقة إلى السلطان أنّ أبي لما حجّ مرّ بالمدينة، فاحتاج إلى قطع ثياب، فالتمس خياطا حاذقا، فدلّ على أبي صدقة، و وصف به بالحذق في الخياطة و الحذق في الغناء و خفة الروح، فأحضره فقطع له ما أراد و خاطه، و سمع غناءه فأعجبه؛ و سأله عن حاله، فشكا إليه الفقر، فخلّف لعياله نفقة سابغة لسنة، ثم أخذه معه و خلطه بالسلطان.

قال [2] حماد: فقال أبو صدقة يوما لأبي: قد اقتصرت بي [3] على صنعة أبي إسحاق أبيك، رحمه اللّه عندي، و أنت لا، ربّ [4] ذلك بشي‌ء، فقال له: هذه الصينيّة الفضة الّتي بين يديّ لك إذا انصرفت، فشكره و سرّ بذلك، و لم يزل يغنيه بقية يومه، فلما أخذ النبيذ فيه قام قومة ليبول، فدعا أبي بصينية رصاص فحول قنّينته و قدحه فيها، و رفع الصينية الفضة، فلما أراد أبو صدقة الانصراف شد أبي الصينية في منديل، و دفعها إلى غلامه، و قال له: بت الليلة عندي و اصطبح غدا، و اردد دابتك. فقال: إني إذا/ لأحمق، أدفع إلى غلامي صينية فضة، فيأخذها و يطمع فيها أو يبيعها، و يركب الدابة و يهرب، و لكني أبيت عندك، فإذا انصرفت غدا أخذتها معي، و بات و أصبح عندنا مصطبحا، فلما كان وقت انصرافه أخذها و مضى، فلم يلبث من غد أن جاءنا و الصينية معه، فإذا هو قد وجّه بها لتباع، فعرّفوه أنها رصاص، فلما رآه أبي من بعيد ضحك، و عرف القصة، و تماسك، فقال له أبو صدقة: نعم الخلافة خلفت‌


[1] البواري: جمع البارية، و هي الحصير المنسوج.

[2] الفقرة الّتي أولها: قال حماد إلى آخر الترجمة زيادة في س على ما في ف.

[3] في س «به»، و هو تحريف.

[4] رب ذلك: زدت.

اسم الکتاب : الاغانی المؤلف : ابو الفرج الإصفهاني    الجزء : 19  صفحة : 197
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست