اسمه مسكين بن صدقة من أهل
المدينة، مولى لقريش. و كان مليح الغناء، طيّب الصوت، كثير الرواية، صالح الصنعة؛
من أكثر الناس نادرة، و أخفّهم روحا، و أشدّهم طمعا، و ألحّهم في مسألة. و كان له
ابن يقال له:
صدقة يغنّي، و ليس من
المعدودين، و ابن ابنه أحمد بن صدقة الطّنبوريّ- أحد المحسنين من الطّنبوريين، و
له صنعة جيدة، و كان أشبه الناس بجدّه في المزح و النوادر. و أخباره تذكر بعد
أخبار جدّه. و أبو صدقة من المغنين الذين أقدمهم هارون الرشيد من الحجاز في أيامه.
يذكر أسباب كثرة سؤاله
أخبرني عليّ بن عبد
العزيز، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، قال:
قيل لأبي صدقة ما أكثر
سؤالك، و أشدّ إلحاحك! فقال: و ما يمنعني من ذلك، و اسمي مسكين، و كنيتي أبو صدقة،
و امرأتي فاقة، و ابني صدقة!.
يتغنى مع مغني الرشيد
فيشتد طرب الرشيد لغنائه
أخبرني رضوان بن أحمد
الصيدلانيّ، قال: حدثنا يوسف بن إبراهيم، قال:
حدثنا أبو إسحاق إبراهيم
بن المهدي أن الرشيد قال للحارث بن بُسخُنَّر: قد اشتهيت أن أرى ندمائي و من يحضر
مجلسي من المغنين جميعا في مجلس واحد، يأكلون و يشربون، و يتبذّلون منبسطين على
غير هيبة و لا احتشام، بل يفعلون ما يفعلون في منازلهم و عند نظرائهم، و هذا لا
يتمّ إلا بأن أكون بحيث لا يرونني، عن غير علم منهم برؤيتي إياهم. فأعدّ لي مكانا
أجلس فيه أنا و عمّي سليمان و إخوتي: إبراهيم بن المهديّ،/ و عيسى بن جعفر [1]، و
جعفر بن يحيى. فإنا مغلّسون [2] عليك غداة غد، و استزر أنت محمد بن خالد بن برمك،
و خالدا أخا مهرويه، و الخضر بن جبريل، و جميع المغنين، و أجلسهم بحيث نراهم و لا
يروننا، و ابسط الجميع، و أظهر برّهم، و اخلع عليهم، و لا تدع من الإكرام شيئا إلا
فعلته بهم. ففعل ذلك الحارث، و قدّم إليهم الطعام فأكلوا، و الرشيد ينظر إليهم، ثم
دعا لهم بالنبيذ. فشربوا، و أحضرت الخلع، و كان ذلك اليوم يوما شديد البرد، فخلع
على ابن جامع جبة خزّ طارونيّ [3] مبطنة بسمّور صينيّ، و خلع على إبراهيم الموصلي
جبّة وشي كوفي مرتفع مبطنة بفنك [4]، و خلع