أخبرني محمد بن خلف بن
المرزبان، قال: حدّثني أبو العيناء، عن الأصمعيّ، قال:
أهدى كاتب لزياد بن عبد اللّه
الحارثيّ إليه طعاما، فأتي به و قد تغدّى فغضب و قال: ما أصنع به و قد أكلت؟
ادعوا أهل الصّفة [1]
يأكلونه، فبعث إليهم و سأل/ كاتبه: فيم دعا أهل الصّفّة؟ فعرّف، فقال الكاتب:
عرّفوه أنّ في السّلال أخبصة [2] و حلواء و دجاجا و فراخا، فأخبر بذلك، فأمر
بكشفها، فلما رآها أمر برفعها فرفعت، و جاء أهل الصّفّة فأعلم، فقال: اضربوهم
عشرين عشرين درّة، و احبسوهم فإنهم يفسون في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و
سلّم و يؤذون المصلّين، فكلّم فيهم، فقال: حلّفوهم ألّا يعاودوا و أطلقوهم.
أشعب و أبان بن عثمان و
الأعرابي
أخبرني محمد بن مزيد، قال:
حدثنا عمر بن شبّة، قال: حدثنا ابن زبالة، قال: حدثنا ابن زبنّج راوية ابن هرمة،
عن أبيه، قال:
كان أبان بن عثمان من أهزل
النّاس و أعبثهم [3]، و بلغ من عبثه أنه كان يجيء باللّيل إلى منزل رجل في أعلى
المدينة له لقب يغضب منه فيقول له: أنا فلان بن فلان، ثم يهتف بلقبه، فيشتمه أقبح
شتم و أبان يضحك. فبينما نحن ذات يوم عنده و عنده أشعب إذ أقبل أعرابيّ و معه جمل
له، و الأعرابيّ أشقر أزرق أزعر [4] غضوب يتلظّى كأنه أفعى، و يتبيّن الشّرّ في
وجهه ما يدنو منه أحد إلا شتمه و نهره، فقال أشعب لأبان: هذا و اللّه من البادية
[5] ادعوه، فدعي و قيل له: إن الأمير أبان بن عثمان يدعوك، فأتاه فسلّم عليه،
فسأله أبان عن نسبه فانتسب له، فقال: حيّاك اللّه يا خالي، حبيب ازداد حبّا، فجلس،
فقال له: إنّي في طلب جمل مثل جملك هذا منذ زمان فلم أجده كما أشتهي بهذه الصّفة،
و هذه القامة، و اللون، و الصدر، و الورك، و الأخفاف،/ فالحمد للّه الّذي جعل ظفري
به من عند من أحبّه، أ تبيعه؟ فقال: نعم أيها الأمير، فقال: فإنّي قد بذلت لك به
مائة دينار- و كان الجمل يساوي عشرة دنانير- فطمع الأعرابيّ و سرّ و انتفخ، و بان
السّرور و الطّمع في وجهه، فأقبل أبان على أشعب ثم قال له: ويلك يا أشعب! إنّ خالي
هذا من أهلك و أقاربك- يعني في الطمع- فأوسع له ممّا عندك. فقال له: نعم بأبي أنت
و زيادة، فقال له أبان: يا خالي، إنما زدتك في الثمن على بصيرة و إنما الجمل يساوي
ستّين دينارا، و لكن بذلت لك مائة لقلّة النّفد عندنا، و إني أعطيك به عروضا [6]
تساوي مائة، فزاد طمع الأعرابيّ و قال: قد قبلت ذلك أيّها الأمير، فأسرّ إلى أشعب،
فأخرج شيئا مغطّى فقال له: أخرج ما جئت به، فأخرج جرد عمامة خزّ خلق تساوي أربعة
دراهم، فقال له:
قوّمها يا أشعب، فقال له:
عمامة الأمير تعرف به، و يشهد فيها الأعياد و الجمع و يلقى فيها الخلفاء؛ خمسون
دينارا.
[1]
أهل الصفة: فقراء المهاجرين و من لم
يكن له منزل يسكنه فكانوا يأوون إلى موضع مظلل في مسجد المدينة يسكنونه.
[2]
الأخبصة جمع خبيص؛ و هي الحلواء
المخلوطة من التمر و السمن.