رسول اللّه صلّى اللّه
عليه و سلّم قال: لا تشدّ الرّحال إلى مسجد لرجاء الثواب إلا إلى المسجد الحرام و
مسجدي/ بيثرب،/ و لا يبرّ امرؤ قسم مستحلفه إلا أن يستحلفه بحق اللّه و حق رسوله،
ثم قال للسودان في تلك الحال [1]: أوقروا له بعيره تمرا، قال: و لما أخذ السودان
في حشو الغرائر قلت: إن السودان أهل طرب، و إن أطربتهم أجادوا حشو غرائري، فقلت:
يا بن الفاروق، أ تأذن لي
في الغناء فأغنّيك؟ فقال لي: أنت و ذلك [2]، فاندفعت في النّصب [3]، فقال لي: هذا
الغناء الّذي لم نزل نعرفه. ثم غنيته صوتا آخر لطويس المغنّي و هو:
فقال لي عبد اللّه: يا
هناه، لقد حدث في هذا المعنى ما لم نكن نعرفه، قال: ثم غنّيته لابن سريج:
يا عين جودي بالدموع
السّفاح
و ابكي على قتلى قريش البطاح
فقال: يا أشعب، ويحك، هذا
يحيق الفؤاد- أراد: يحرق الفؤاد، لأنه كان ألثغ لا يبين بالراء و لا باللام. قال
أشعب: و كان بعد ذلك لا يرائي إلا استعادني هذا الصوت.
من نوادره
أخبرني الحرميّ بن أبي
العلاء، قال: حدّثنا الزّبير بن بكّار، قال: حدّثني عمي، قال:
لقي أشعب صديق لأبيه فقال
له: ويحك يا أشعب، كان أبوك ألحى و أنت أنطّ [5] فإلى من خرجت؟ قال: إلى أمّي.
من حيله
أخبرني الحسن بن عليّ،
قال: أخبرنا أحمد بن أبي خيثمة، قال: حدثنا مصعب بن عبد اللّه، عن مصعب بن عثمان،
قال:
لقي أشعب سالم بن عبد
اللّه بن عمر فقال: يا أشعب، هل لك في هريس قد أعدّ لنا؟ قال: نعم، بأبي أنت و
أمي. قال: فصر إليّ، فمضى إلى منزله، فقالت له امرأته: قد/ وجّه إليك عبد اللّه بن
عمرو بن عثمان يدعوك.
قال: ويحك، إن لسالم بن
عبد اللّه هريسة قد دعاني إليها، و عبد اللّه بن عمرو في يدي متى شئت، و سالم إنما
دعوته للناس فلتة، و ليس لي بدّ من المضيّ إليه. قالت: إذا يغضب عبد اللّه، قال:
آكل عنده، ثم أصير إلى عبد اللّه. فجاء إلى سالم و جعل يأكل أكل متعالل فقال له:
كل يا أشعب و ابعث ما فضل عنك إلى منزلك، قال: ذاك أردت بأبي أنت و أمّي، فقال: يا
غلام، احمل هذا إلى منزله، فحمله و مضى معه فجاء به امرأته فقالت له: ثكلتك أمّك،
قد حلف عبد اللّه أن لا يكلّمك شهرا، قال: دعيني و إياه، هاتي شيئا من زعفران،
فأعطته و دخل الحمّام يمسح على وجهه و يديه [6] و جلس في الحمام حتى صفّره، ثم خرج
متكئا على عصا يرعد، حتى أتى دار عبد اللّه بن عمرو،