فلما رآه حاجبه قال: ويحك،
بلغت بك العلّة ما أرى؟ و دخل و أعلم صاحبه فأذن له، فلما دخل عليه إذا سالم بن
عبد اللّه عنده، فجعل يزيد في الرّعدة و يقارب الخطو، فجلس و ما يقدر أن يستقلّ،
فقال عبد اللّه: ظلمناك يا أشعب في غضبنا عليك، فقال له سالم: ما لك ويلك! أ لم
تكن عندي آنفا و أكلت هريسة؟ فقال له: و أيّ أكل ترى بي؟
قال: ويلك! أ لم أقل لك
كيت و كيت و تقل لي كيت و كيت؟ قال له: شبّه لك، قال: لا حول و لا قوة إلا باللّه،
و اللّه إني لأظنّ الشيطان يتشبّه بك. ويلك! أ جادّ أنت؟ قال: عليّ و عليّ إن كنت
خرجت منذ شهر [1]. فقال له عبد اللّه:
اعزب ويحك أ تبهته، لا أمّ
لك! قال: ما قلت إلا حقّا، قال: بحياتي اصدقني و أنت آمن من غضبي، قال:
لا و حياتك لقد صدق. ثم
حدّثه بالقصة فضحك حتى استلقى على قفاه.
ابنه يذكر بعض طرائف
أبيه
[2] أخبرني رضوان بن أحمد بن يوسف بن إبراهيم، عن إبراهيم
بن المهديّ:
أنّ الرشيد لمّا ولّاه
دمشق بعث إليه عبد اللّه بن أشعب، و كان يقدم عليه من الحجاز إذا أراد أن يطرب.
/ قال
إبراهيم: و كان يحدّثني من حديث أبيه بالطرائف:
عادلته [3] يوما و أنا
خارج من دمشق في قبّة على بغل لألهو بحديثه، فأصابنا في الطريق برد شديد فدعوت
بدوّاج سمّور [4] لألبسه، فأتيت به فلما لبسته أقبلت على ابن أشعب فقلت: حدّثني
بشيء من طمع أبيك. فقال لي:
ما لك و لأبي، ها أنا إذا
دعوت بالدّوّاج فما شككت و اللّه في أنك إنما جئت به لي، فضحكت من قوله، و دعوت
بغيره فلبسته و أعطيته إياه، ثم قلت له:
أ لأبيك ولد غيرك؟ فقال:
كثير، فقلت: عشرة؟ قال: أكثر، قلت: فخمسون؟ قال: أكثر كثير، قلت: مائة؟
قال: دع المئين و خذ
الألوف، فقلت: ويلك! أيّ شيء تقوله؟ أشعب أبوك ليس بينك و بينه أب، فكيف يكون له
ألوف من الولد؟ فضحك ثم قال: لي في هذا خبر ظريف، فقلت له: حدّثني به، فقال:
كان أبي منقطعا إلى سكينة
بنت الحسين، و كانت متزوجة بزيد بن عمرو بن عثمان بن عفان و كانت محبّة له، فكان
لا يستقر معها، تقول له: أريد الحج فيخرج معها، فإذا أفضوا إلى مكة تقول: أريد
الرجوع إلى المدينة، فإذا عاد إلى المدينة، قالت: أريد العمرة، فهو معها في سفر لا
ينقضي. قال عبد اللّه: فحدّثني أبي قال:
كانت قد حلّفته بما لا كفّارة
له ألا يتزوج عليها و لا يتسرّى و لا يلمّ بنسائه و جواريه إلا بإذنها، و حجّ
الخليفة في سنة من السنين فقال لها: قد حج الخليفة و لا بدّ لي من لقائه، قالت:
فاحلف بأنك لا تدخل الطائف، و لا تلمّ بجواريك على وجه و لا سبب، فحلف لها بما
رضيت به من الأيمان على ذلك، ثم قالت له: احلف بالطلاق، فقال: لا أفعل، و لكن
ابعثي معي بثقتك، فدعتني و أعطتني ثلاثين دينارا و قالت لي: اخرج معه، و حلّفتني/
بطلاق بنت وردان زوجتي ألا أطلق له الخروج إلى الطائف بوجه و لا سبب، فحلفت لها
بما أثلج صدرها، فأذنت له فخرج و خرجت معه. فلما حاذينا الطائف قال لي: يا أشعب،
أنت تعرفني و تعرف صنائعي عندك، و هذه ثلاثمائة دينار،