/ قال: فغنّاه أحسن غناء في الأرض، و لم آخذه منه
اتّكالا على قدرتي عليه. و اضطرب [1] الأمر على الفضل و صار إلى التغيّب، و شخص
الشيخ إلى المدينة، فبقيت أنشد الشّعر و أسأل عنه مشايخ المغنّين، و عجائز
المغنّيات، فلا أجد أحدا يعرفه، حتى قدمت البصرة، و كنت آتي جزيرتها في القيظ
فأبيت بها ثم أبكر بالغداة إلى منزلي. فإنّي لداخل يوما إذا بامرأتين نبيلتين [2]،
قد قامتا فأخذتا بلجام حماري، فقلت لهما: مه! قال أبو زيد في خبره: فقالت إحداهما:
كيف عشقك اليوم ل «ما أحسن الجيد من مليكة» و شغفك به، فقد بلغني أنّك كنت
تطلبه من كلّ أحد؟
و قد كنت رأيتك في مجلس
الفضل و قد استخفّك الطّرب لهذا الصوت حتّى صفّقت. قال: فقلت لها: أشدّ و اللّه ما
كنت عشقا له، و قد ألهبت بذكرك إيّاه في قلبي جمرا، و لقد طلبته ببغداد كلّها فلم
أجد أحدا يسمعنيه. قالت:
أ فتحبّ أن أغنيك إياه.
قلت: نعم. فغنّته و اللّه أحسن ممّا سمعته قديما بصوت خافض، فنزلت إليها فقبّلت
يديها و رجليها و قلت: جعلني اللّه فداك، لو شئت لصرت معي إلى منزلي. قالت: أصنع
ما ذا؟ قلت: أغنّيك و تغنّيني يومنا إلى الليل. قالت: أنت و اللّه أطفس [3] من أن
تفعل ذاك، و إنّما هو عرض، و لكنّي أغنّيك حتّى تأخذه. فقلت: بأبي أنت و أمّي، و
جعلني اللّه فداك من أنت؟ قالت: أنا وهبة جارية محمّد بن عمران القرويّ، التي يقول
فيها فرّوح [4] الرّفاء الطّلحي:
قال أبو زيد خاصّة: قال
إسحاق: و أنشدتنيه و غنّتني فيه بصوت مليح قد صنعته فيه، ثم صارت إليّ بعد ذلك، و
كانت من أحسن الناس غناء، و أحسنهم رواية. فما كانت تفوق فيه من صنعتها سائر الناس
صوتها، و هو: