قتل أحيحة، ففطن أحيحة أنه
يريد قتله فخرج من عنده فدخل خباءه، فشرب الخمر، و قرض أبياتا، و أمر القينة أن
نغنّيه بها، و جعل تبّع عليه حرسا، و كانت قينته تدعى مليكة فقال:
فلم تزل القينة تغنّيه
بذلك يومه و عامّة ليلته [3]؛ فلما نام الحرّاس قال لها: إنّي ذاهب إلى أهلي فشدّي
[4] عليك الخباء، فإذا جاء رسول الملك فقولي له: هو نائم؛ فإذا أبوا إلّا أن
يوقظوني فقولي: قد رجع إلى أهله و أرسلني إلى الملك برسالة. فإن ذهبوا بك إليه فقولي
له: يقول لك أحيحة: «اغدر بقينة أو دع». ثم انطلق فتحصّن في أطمه [5] الضّحيان،
و أرسل تبّع من جوف الليل إلى الأزياد فقتلهم على فقارة من فقار [6] تلك الحرّة. و
أرسل إلى أحيحة ليقتله، فخرجت إليهم/ القينة، فقالت: هو راقد. فانصرفوا و تردّدوا
عليها مرارا؛ كلّ ذلك تقول: هو راقد.
ثم عادوا فقالوا: لتوقظنّه
أو لندخلنّ عليك. قالت: فإنه قد رجع إلى أهله، و أرسلني إلى الملك برسالة. فذهبوا
بها إلى الملك، فلما دخلت عليه سألها عنه، فأخبرته خبره، و قالت: يقول لك: «اغدر بقينة أو دع». فذهبت
كلمة أحيحة هذه مثلا؛ فجرّد له كتيبة من خيله، ثم أرسلهم في طلبه فوجدوه قد تحصّن
في أطمه، فحاصروه ثلاثا؛ يقاتلهم بالنّهار و يرميهم بالنبل و الحجارة، و يرمي
إليهم بالليل/ بالتمر، فلما مضت الثلاث رجعوا إلى تبّع فقالوا:
بعثتنا [7] إلى رجل
يقاتلنا بالنهار، و يضيفنا بالليل! فتركه؛ و أمرهم أن يحرّقوا نخله. و شبّت الحرب
بين أهل المدينة: أوسها و خزرجها و يهودها، و بين تبّع، و تحصّنوا في الآطام. فخرج
رجل من أصحاب تبّع حتى جاء بني عديّ بن النجّار؛ و هم متحصّنون في أطمهم، الذي كان
في قبلة مسجدهم، فدخل حديقة من حدائقهم، فرقي عذقا منها يجدّها [8]، فاطّلع إليه
رجل من بني عديّ بن النجار من الأطم يقال له أحمر أو صخر [9] بن سليمان من بني
سلمة، فنزل إليه فضربه بمنجل حتّى قتله ثم ألقاه في بئر! و قال: جاءنا يجدّ نخلنا
[10]، «إنّما النخل لمن أبره» [11]،
فأرسلها مثلا. فلما انتهى ذلك إلى تبّع زاده حنقا و جرّد إلى بني النجّار جريدة من
خيله [12]؛ فقاتلهم بنو النجّار
[1]
السردح: الأرض اللينة المستوية. ط، ح:
«سرنج». و السرنج: الأرض
الواسعة.