كنت جالسا عند المهلّب إذ
أقبل رجل طويل مضطرب، فلما رآه المهلّب قال: اللهمّ إني أعوذ بك من شرّه! فجاء
فقال: أصلح اللّه الأمير، أني قد مدحتك ببيت صفده مائة ألف درهم [1]. فسكت
المهلّب، فأعاد القول فقال له: أنشده. فأنشده:
فتى زاده السّلطان في
الخير رغبة
إذا غيّر السّلطان كلّ خليل
فقال له المهلّب: يا أبا
أمامة، مائة ألف؟! فو اللّه ما هي عندنا و لكن ثلاثون ألفا فيها عروض. و أمر له
بها، فإذا هو زياد الأعجم.
هجاؤه للفرزدق و فزع
الفرزدق منه
أخبرني عمي قال: حدثني
الكراني و أبو العيناء عن القحذميّ قال:
لقي الفرزدق زيادا الأعجم
فقال له الفرزدق: لقد هممت أن أهجو عبد القيس، و أصف من فسوهم شيئا. قال له زياد:
كما أنت حتّى أسمعك شيئا. ثم قال: قل إن شئت أو أمسك. قال: هات. قال:
و ما ترك الهاجون لي
إن هجوته
مصحّا أراه في أديم الفرزدق
فإنّا و ما تهدي لنا
إن هجوتنا
لكالبحر مهما يلق في البحر يغرق
فقال له الفرزدق: حسبك
هلمّ نتتارك [2]. قال: ذاك إليك. و ما عاوده بشيء.
و أخبرني بهذا الخبر محمد
بن الحسن بن دريد قال: حدثنا العتبي عن العباس بن هشام عن أبيه قال: حدثني خراش
[3]، و كان عالما راوية لأبي، و لمؤرّج [4]، و لجابر بن كلثوم، قال:
أقبل الفرزدق و زياد ينشد
الناس في المربد و قد اجتمعوا حوله، فقال: من هذا؟ قيل: الأعجم. فأقبل نحوه/ فقيل
له: هذا الفرزدق قد أقبل عليك. فقام فتلقّاه و حيّا كلّ واحد منهما صاحبه، فقال له
الفرزدق: ما زالت تنازعني نفسي إلى هجاء عبد القيس منذ دهر. قال زياد: و ما يدعوك
إلى ذلك؟ قال: لأنّي رأيت الأشقريّ هجاكم فلم يصنع شيئا، و أنا أشعر منه، و قد
عرفت الذي هيّج بينك و بينه. قال: و ما هو؟ قال إنّكم اجتمعتم في قبّة عبد اللّه
بن الحشرج بخراسان، فقلت له قد قلت شيئا فمن قال مثله فهو أشعر منّي، و من لم يقل
مثله و مدّ إليّ عنقه فإنّي أشعر منه. فقال لك: و ما قلت؟ فقلت: قلت: