responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الاغانی المؤلف : ابو الفرج الإصفهاني    الجزء : 15  صفحة : 211

و جعلت نفقا آخر في البرّيّة متّصلا بمدينة لأختها، ثم أجرت الماء عليه، فكانت إذا خافت عدوّا دخلت النفق. فلما اجتمع لها أمرها و استحكم ملكها أجمعت على غزو جذيمة ثائرة بأبيها، فقالت لها أختها و كانت ذات رأي و حزم:

إنّك إن غزوت جذيمة فإنّه امرؤ له ما يصدّه، فإن ظفرت أصبت ثأرك، و إن ظفر بك فلا بقيّة لك، و الحرب سجال،/ و لا تدرين كيف تكون [1] أ لك أم عليك، و لكن ابعثي إليك فأعلميه أنّك قد رغبت في أن تتزوّجيه و تجمعي ملكك إلى ملكه، و سليه أن يجيبك إلى ذلك، لأنّه إن اغتر ففعل ظفرت به بلا مخاطرة. فكتبت الزباء في ذلك إلى جذيمة تقول له: إنها قد رغبت في صلة بلدها ببلده، و إنّها في ضعف من سلطانها، و قلّة ضبط لمملكتها، و إنها لم تجد كفؤا غيره، و تسأله الإقبال عليها و جمع ملكها إلى ملكه. فلما/ وصل ذلك إليه استخفّه و طمع فيه، فشاور أصحابه فكلّ صوّب رأيه في قصدها و إجابتها، إلّا قصير بن سعد بن عمرو بن جذيمة بن قيس بن هلال [2] بن نمارة بن لخم، فقال: هذا رأي فاتر، و غدر حاضر، فإن كانت صادقة فلتقبل إليك و إلّا فلا تمكنها من نفسك فتقع في حبالها و قد وترتها في أبيها. فلم يوافق جذيمة ما قال و قال له: «أنت أمرؤ رأيك في الكنّ لا في الضّحّ» [3]. و رحل فقال له قصير في طريقة: «انصرف و دمك في وجهك. فقال جذيمة: «ببقّة قضي الأمر» فأرسلها مثلا. و مضى حتّى إذا شارف مدينتها قال لقصير: ما الرأي؟ قال: «ببقّة تركت الرأي». قال: فما ظنّك بالزباء؟ قال: «القول رداف، و الحزم عيرانة لا تخاف» [4]. و استقبله رسلها بالهدايا و الألطاف فقال: يا قصير، كيف ترى؟ قال «خطر يسير في خطب كبير» [5]، و ستلقاك الخيول، فإن سارت أمامك فالمرأة صادقة، و إن أخذت في جنبيك و أحاطت بك فالقوم غادرون. فلقيته الخيول فأحاطت به، فقال له قصير: اركب العصا فإنّها لا تدرك و لا تسبق- يعني فرسا له كانت تجنب- قبل أن يحولوا بينك و بين جنودك. فلم يفعل، فجال قصير في ظهرها فمرّت به تعدو في أوّل أصحاب جذيمة. و لما أحيط بجذيمة التفت فرأى قصيرا على فرسه العصا في أوّل القوم، فقال: «لحازم من يجري العصا [6] في أوّل القوم». فذكر/ أبو عبيدة و الأصمعي أنها لم تكن تقف، حتّى جرت ثلاثين ميلا، ثم وقفت فبالت هناك، فبني على ذلك الموضع برج يسمّى العصا- و أخذ جذيمة فأدخل على الزباء فاستقبلته قد كشفت عن فرجها، فإذا هي قد ضفرت الشعر عليه، فقالت: يا جذيم أ ذات عروس ترى؟ قال: بل أرى متاع أمة لكعاء غير ذات خفر. ثم قال:

«بلغ المدى، و جفّ الثّرى، و أمر غدر أرى. قالت: و اللّه ما ذلك من عدم مواس [7]، و لا قلة أواس [8]، و لكنّها شيمة ما أناس [9]. ثم قالت لجواريها: خذن بعضد سيّدكنّ. ففعلن ثم دعت بنطع فأجلسته عليه، و أمرت برواهشه [10]


[1] في الأصول ما عدا ها، مب «تكونين» تحريف.

[2] عند ابن حبيب «بن هليل بن دمى بن نمارة».

[3] الكن: ما يرد الحر و البرد من الأبنية و المساكن. و الضح: كل ما أصابته الشمس.

[4] الرداف: جمع ردف، و هو الذي يركب خلف الراكب. و العيرانة: الناقة السريعة في نشاط. أراد أن الحزم يمضي في شأنه في ثقة و لا يعبأ بالقول، بل ربما حطمه. و كلمة «لا» ساقطة من ب، س و «الميداني»، إذ فيها «عثراته تخاف»، و في ح «عيران لا يخاف»، و في م، أ: «عراف لا يخاف».

[5] في «الميداني»: «خطب يسير في خطب كبير».

[6] في ب، س «الحازم». ها، مب «لحازم ما تجري» و في سائر الأصول «ما يجري». و في «مروج الذهب»: (2: 94) «ما ضل من تجري به العصا». و في «الميداني»: «ويل أمه حزما على متن العصا».

[7] المواسي: جمع موسى التي يحلق الشعر بها.

[8] الأواسي: جمع آسة، و هي كناية عن الخاتن في لغة أهل البادية.

[9] هذا ما في ح و «مروج الذهب». و «ما» فيه زائدة. و في سائر الأصول «من أناس».

[10] الرواهش: عروق في باطن الذراع.

اسم الکتاب : الاغانی المؤلف : ابو الفرج الإصفهاني    الجزء : 15  صفحة : 211
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست