فقطعت في طست من ذهب يسيل
دمه فيه، و قالت له: يا جذيم لا يضيعنّ من دمك شيء فإنّي أريده للخبل [1].
فقال لها: و ما يحزنك من
دم أضاعه أهله. و إنما كان بعض الكهّان قال لها: إن نقط من دمه شيء في غير الطست
أدرك بثأره. فلم يزل دمه يجري في الطّست حتّى ضعف، فتحرّك فنقطت من دمه نقطة على
أسطوانة رخام و مات.
قال: و العرب تتحدّث في
أنّ دماء الملوك شفاء من الخبل. قال المتلمس [2]:
/ قال: و جمعت دمه في برنيّة و جعلته في خزانتها، و مضى
قصير إلى عمرو بن عبد الحرّ [4] التّنوخي فقال له: اطلب بدم ابن عمك و إلّا سبّتك
به العرب. فلم يحفل بذلك فخرج قصير إلى/ عمرو بن عديّ ابن أخت جذيمة فقال: هل لك
في أن أصرف الجنود إليك على أن تطلب بثأر خالك؟ فجعل ذلك له، فأتى القادة و
الأعلام فقال لهم: أنتم القادة و الرؤساء، و عندنا الأموال و الكنوز. فانصرف إليه
منهم بشر كثير، فالتقى بعمرو التنوخي فلما صافّوا القتال [5] تابعه التوخي و مالك
بن عمرو بن عديّ، فقال له قصير: انظر ما وعدتني في الزباء. فقال: و كيف و هي أمنع
من عقاب الجوّ؟ فقال: أمّا إذ أبيت فإني جادع أنفى و أذني، و محتال لقتلها، فأعنّي
و خلاك ذمّ. فقال له عمرو: و أنت أبصر. فجدع قصير أنفه ثم انطلق حتّى دخل على
الزباء فقالت: من أنت؟ قال: أنا قصير، لا و ربّ البشر ما كان على ظهر الأرض أحد
أنصح لخدمته منّي و لا أغشّ لك حتّى جدع عمرو بن عديّ أنفى و أذني، فعرفت أنّي لن
أكون مع أحد أثقل عليه منك. فقالت: أي قصير نقبل ذلك منك، و نصرّ لك في بضاعتنا. و
أعطته مالا للتجارة، فأتى بيت مال الحيرة فأخذ منه بأمر عديّ ما ظنّ أنه يرضيها، و
انصرف إليها به، فلما رأت ما جاء به فرحت و زادته، و لم يزل حتّى أنست به فقال
لها: إنه ليس من ملك و لا ملكة إلّا و قد ينبغي له أن يتّخذ نفقا يهرب إليه عند
حدوث حادثة يخافها. فقالت: أما أنّي قد فعلت و اتّخذت نفقا تحت سريري هذا، يخرج
إلى نفق تحت سرير أختي. و أرته إياه، فأظهر لها سرورا بذلك، و خرج في تجارته كما
كان يفعل، و عرف عمرو بن عديّ ما فعله، فركب عمرو في ألفي دارع على ألف بعير/ في
الجوالق حتى إذا صاروا إليها تقدّم قصير يسبق الإبل و دخل على الزباء فقال لها:
اصعدي في حائط مدينتك فانظري إلى مالك، و تقدّمي إلى بوّابك فلا يعرض لشيء من
أعكامنا [6]، فإنّي قد جئت بمال صامت. و قد كانت أمنته فلم تكن تتّهمه و لا تخافه،
فصعدت كما أمرها فلما نظرت إلى ثقل مشي الجمال قالت- و قيل إنه مصنوع منسوب
إليها-:
ما للجمال مشيها
وئيدا
أ جندلا يحملن أم حديدا
[1]
الخبل، بفتح الخاء و ضمها، و بالتحريك
أيضا: الجنون أو شبهه.
[2]
في «الحيوان» (2: 6) و «عيون الأخبار» (2: 79) أنه الفرزدق، و لم أجد البيت في
أحد «الديوانين». و نسب في «مروج الذهب» إلى البعيث. و
في ها «قال البعيث»: و أشير في
حاشيتها إلى أنه في نسخة أخرى «المتلمس».
[3]
المجنة: الجنون. و في معظم الأصول «المحبة» صوابه من ها و من «الحيوان» و «عيون الأخبار»، و «اللسان» (جنن) و «مقاييس اللغة» (كلب).
[4]
كذا في «الأصول». و في «الميداني» و «مروج الذهب» «عبد الجن».
[5]
مب «خافوا القتال». و في «مروج الذهب» «خافوا الفناة».
[6]
الأعكام: جمع عكم، بالكسر، و هو العدل
ما دام فيه المتاع.