و سمّته عمرا و ربّته،
فلما ترعرع حلّته و عطرته و ألبسته كسوة مثله [1]، ثم أرته خاله فأعجب به، و ألقيت
عليه منه محبّة و مودّة، حتّى إذا وصف [2] خرج الغلمان يجتنون الكمأة في سنة قد
أكمأت، و خرج معهم، و قد خرج جذيمة فبسط له في روضة، فكان الغلمان إذا أصابوا الكمأة
أكلوها، و إذا أصابها عمرو خبأها، ثم أقبلوا يتعادون و هو معهم يقدمهم و يقول:
هذا جناي و خياره
فيه
إذ كلّ جان يده إلى فيه
فالتزمه جذيمة و حباه و
قرب من قلبه، و حلّ منه بكلّ مكان. ثم إنّ الجن استطارته، فلم يزل جذيمة يرسل في
الآفاق في طلبه فلم يسمع له بخبر، فكفّ/ عنه. ثم أقبل رجلان يقال لأحدهما عقيل و
الآخر مالك، ابنا فالج، و هما يريدان الملك بهدية، فنزلا على ماء و معهما قينة
يقال لها أمّ عمرو، فنصبت قدرا و أصلحت طعاما، فبينما هما يأكلان إذ أقبل رجل أشعث
أغبر، قد طالت أظفاره و ساءت حاله، حتّى جلس مزجر الكلب، فمدّ يده فناولته شيئا/
فأكله، ثم مدّ يده فقالت: «إن يعط العبد كراعا يتّسع ذراعا» [3] فأرسلتها مثلا. ثم
ناولت صاحبيها من شرابها و أوكأت دنّها، فقال عمرو بن عديّ:
صوت
صددت الكأس عنا أمّ
عمرو
و كان الكأس مجراها اليمينا
و ما شرّ الثلاثة أمّ
عمرو
بصاحبك الذي لا تصبحينا
غناه معبد فيما ذكر عن
إسحاق في «كتابه الكبير». و قد زعم بعض
الرواة أن هذا الشعر لعمرو بن معد يكرب [4].
و أخبرنا اليزيدي قال:
حدّثنا الخليل بن أسد النّوشجانيّ قال: حدّثنا حفص بن عمرو، عن الهيثم بن عدي، عن
ابن عياش [5]، أنّ هذا الشعر لعمرو بن معد يكرب في ربيعة بن نصر اللخمي.
[4]
بل الأصح في نسبتهما أنهما لعمرو بن
كلثوم في معلقته.
[5]
في الأصول «عن ابن عباس»، و إنما هو «ابن عياش» و هو عبد اللّه بن عياش المنتوف، ترجم له في «لسان الميزان» (3: 322)، و
ذكر أن الهيثم بن عدي يروى عنه، و أنه كان ينادم المنصور و يجترئ عليه و يضحكه. و
كذا ذكر في ترجمة الهيثم بن عدي أنه يروي عن عبد اللّه بن عياش.