أيّها الناس اسمعوا وعوا،
من عاش مات، و من مات فات، و كلّ ما هو آت آت. ليل داج، و سماء ذات أبراج، بحار
تزخر، و نجوم تزهر [1]، و ضوء و ظلام، و برّ و آثام، و مطعم و مشرب، و ملبس و
مركب. مالي أرى الناس يذهبون و لا يرجعون، أرضوا بالمقام فأقاموا، أم تركوا
فناموا. و إله قسّ بن ساعدة ما على وجه الأرض دين أفضل من دين قد أظلّكم زمانه، و
أدرككم أوانه، فطوبى لمن أدركه فاتّبعه، و ويل لمن خالفه. ثم أنشأ يقول:
في الذّاهبين الأوّلي
ن من القرون لنا بصائر
لمّا رأيت مواردا
للموت ليس لها مصادر
و رأيت قومي نحوها
يمضي الأصاغر و الأكابر
أيقنت أنّي لا محا
لة حيث صار القوم صائر
فقال النبيّ صلّى اللّه
عليه و سلّم: «يرحم اللّه قسّا، إني لأرجو
أن يبعث يوم القيامة أمّة وحده» [2].
قصة شعر منسوب إلى قس
فقال رجل يا رسول اللّه:
لقد رأيت من قسّ عجبا. قال: و ما رأيت؟ قال: بينا أنا بجبل [3] يقال له سمعان [4]
في يوم شديد الحرّ، إذ أنا بقسّ بن ساعدة تحت ظلّ شجرة عند عين ماء، و عنده سباع،
كلما زأر سبع منها على صاحبه ضربه بيده و قال: كفّ حتى يشرب الذي ورد قبلك. قال:
ففرقت [5]، فقال: لا تخف./ و إذا أنا بقبرين بينهما مسجد، فقلت له: ما هذان
القبران؟ قال هذان قبرا أخوين كانا لي فماتا، فاتّخذت بينها مسجدا أعبد اللّه جلّ
و عزّ فيه حتّى ألحق بهما. ثم ذكر أيامهما فبكى، ثم أنشأ يقول:
خليلي هبّا طالما قد
رقدتما
أجدّكما لا تقضيان كراكما
أ لم تعلما أنّي
بسمعان مفرد
و ما لي فيه من حبيب سواكما
أقيم على قبريكما لست
بارحا
طوال الليالي أو يجيب صداكما
كأنّكما و الموت أقرب
غاية
بجسمي في قبريكما قد أتاكما
فلو جعلت نفس لنفس
وقاية
لجدت بنفسي أن تكون فداكما
فقال النبيّ صلّى اللّه
عليه و سلّم: «يرحم اللّه قسّا».
الشعر السابق لعيسى بن
قدامة
و أما الحكاية عن يعقوب بن
السكيت أنّ الشعر لعيسى بن قدامة الأسدي فأخبرني بها عليّ بن سليمان الأخفش، عن
السكوني قال: قال يعقوب بن السكيت:
[2]
الأمة: الرجل المنفرد بدين، كقوله
تعالى:إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً. و جاء مثله الحديث أنه قال «يبعث يوم القيامة زيد بن عمرو بن نفيل أمة على حدة». و
ذلك أنه كان تبرأ من أديان المشركين و آمن باللّه قبل مبعث الرسول صلّى اللّه عليه
و سلّم.