المدينة، فقال رجال من
المسلمين، ممن أكرم اللّه جلّ ثناؤه بالشهادة يوم أحد و غيرهم ممن فاته بدر و
حضوره:
يا رسول اللّه صلّى اللّه
عليك و سلّم اخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون أنا جبنّا عنهم و ضعفنا. فقال عبد اللّه
بن أبيّ بن سلول: يا رسول اللّه أقم بالمدينة، و لا تخرج إليهم، فو اللّه ما خرجنا
منها إلى عدوّ قط إلا أصاب منّا، و لا يدخلها علينا إلّا أصبنا منهم، فدعهم يا
رسول اللّه، فإن أقاموا أقاموا بشرّ مجلس، و إن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم، و
رماهم النساء و الصّبيان بالحجارة من فوق رءوسهم، و إن رجعوا رجعوا خائبين كما
جاءوا. فلم يزل برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم الذين كان من أمرهم حبّ لقاء
العدوّ، حتّى دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فلبس لأمته، و ذلك يوم
الجمعة، حين فرغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من الصلاة. و قد مات في ذلك/
اليوم رجل من الأنصار يقال له مالك بن عمرو، أحد بني النجّار فصلّى عليه رسول
اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ثم خرج عليهم، و قد ندم الناس: و قالوا استكرهنا
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و لم يكن ذلك لنا! فخرج رسول اللّه صلّى اللّه
عليه و سلّم عليهم فقالوا: يا رسول اللّه استكرهناك و لم يكن ذلك لنا، فإن شئت
فاقعد صلّى اللّه عليك. فقال عليه السلام: «ما ينبغي لنبيّ إذا لبس لأمته أن يضعها حتّى يقاتل» قال:
فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في ألف رجل من أصحابه، حتّى إذا كانوا
بالشوط، بين أحد و المدينة، انخزل عنه عبد اللّه بن أبيّ بن سلول بثلث الناس، و
قال: أطاعهم فخرج و عصاني، و اللّه ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا أيّها الناس.
فرجع بمن اتّبعه من الناس من قومه، من أهل النّفاق و الرّيب، و اتّبعهم عبد اللّه
بن عمرو بن حرام أحد بني سلمة يقول: يا قوم أذكّركم [1] اللّه أن تخذلوا نبيّكم و
قومكم عند ما حضر من عدوّهم. فقالوا: لو نعلم أنّكم تقاتلون ما أسلمناكم، و لكنّا
لا نرى أنّه يكون قتال. فلما استعصوا عليه و أبوا إلّا الانصراف قال: أبعدكم اللّه
أعداء اللّه، فسيغني اللّه عزّ و جلّ عنكم.
و قال محمد بن عمر
الواقدي: انخزل عبد اللّه بن أبيّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم/ من
الشّيخين [2] بثلاثمائة، فبقي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في سبعمائة، و
كان المشركون في ثلاثة آلاف، و الخيل مائتا فارس، و الظّعن خمس عشرة امرأة.
قال: و كان في المشركين
سبعمائة دارع، و لم يكن معهم من الخيل إلّا فرسان: فرس لرسول اللّه صلّى اللّه
عليه و سلّم، و فرس لأبي بردة بن نيار الحارثي. فادّلج [3] رسول اللّه صلّى اللّه
عليه و سلّم من الشّيخين حتّى طلع الحمراء، و هما [4] أطمان كان يهوديّ/ و يهودية
أعميان يقومان عليهما فيتحدّثان، فلذلك سميا الشيخين، و هما في طرف المدينة.
قال: و عرض رسول اللّه
صلّى اللّه عليه و سلّم المقاتلة بعد المغرب، فأجاز من أجاز، و ردّ من ردّ. قال: و
كان فيمن ردّ زيد بن ثابت، و أبو عمرو أسيد بن ظهير، و البراء بن عازب، و عرابة بن
أوس. قال: و هو عرابة الذي قال فيه الشماخ:
إذا ما راية رفعت
لمجد
تلقّاها عرابة باليمين
قال: و ردّ أبا سعيد
الخدريّ، و أجاز سمرة بن جندب، و رافع بن خديج. و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه
و سلّم قد استصغر رافعا، فقام على خفّين له فيهما رقاع، و تطاول على أطراف أصابعه،
فلما رآه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أجازه.
قال محمد بن جرير: فحدّثني
الحارث قال: حدّثنا ابن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر قال:
[1]
كذا في ط، مط، مب و السيرة. و في سائر
النسخ «اذكروا».
[2]
الشيخان: موضع بالمدينة كان فيه معسكر
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.