ثم بكى و بكيت معه حتّى
رأيت دموعه تجول على لحيته كأنّها اللؤلؤ، ثمّ سلّمت عليه و انصرفت، فلما قدمت على
عمر سألني عن هرقل و جبلة، فقصصت عليه القصّة من أوّلها إلى آخرها، فقال: أو رأيت
جبلة يشرب الخمر؟
قلت: نعم. قال: أبعده
اللّه، تعجّل فانية اشتراها بباقية، فلما ربحت تجارته، فهل سرّح معك شيئا؟ قلت:
سرّح إلى حسان خمسمائة دينار و خمسة أثواب ديباج. فقال: هاتها. و بعث إلى حسّان
فأقبل يقوده قائده حتّى دنا فسلّم، و قال: يا أمير المؤمنين، إنّي لأجد أرواح آل
جفنة. فقال عمر رضي اللّه عنه: قد نزع اللّه تبارك و تعالى لك منه على رغم أنفه، و
أتاك بمعونة. فانصرف عنه و هو يقول:
/ فقال له رجل في مجلس عمر: أتذكر قوما كانوا ملوكا
فأبادهم اللّه و أفناهم؟! فقال: ممن الرجل؟ قال:
مزنيّ. قال: أما و اللّه
لو لا سوابق قومك مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لطوّقتك طوق الحمامة. و
قال: ما كان خليلي ليخلّ بي، فما قال لك؟ قال: قال إن وجدته حيّا فادفعها إليه، و
إن وجدته ميّتا فاطرح الثياب على قبره، و ابتع بهذه الدنانير بدنا