/ فوثب الجحاف يجرّ مطرفه و ما يعلم من الغضب،
فقال عبد الملك الأخطل: ما أحسبك إلا و قد كسبت قومك شرا. فافتعل الحجاف عهدا من
عبد الملك على صدقات بكر و تغلب، و صحبه من قومه نحو من ألف فارس، فثار بهم حتى
بلغ الرّصافة- قال: و بينها و بين شط الفرات ليلة، و هي في قبلة الفرات- ثم كشف
لهم أمره، و أنشدهم شعر الأخطل، و قال لهم: إنما هي النار أو العار، فمن صبر
فليقدم و من كره فليرجع، قالوا: ما بأنفسنا عن نفسك رغبة، فأخبرهم بما يريد،
فقالوا: نحن معك فيما كنت فيه من خير و شرّ، فارتحلوا فطرقوا صهين [3] بعد رؤبة
[4] من الليل- و هي في قبلة الرصافة و بينهما ميل- ثم صبّحوا عاجنة الرّحوب في
قبلة صهين و البشر- و هو واد لبني تغلب- فأغاروا على بني تغلب ليلا فقتلوهم، و
بقروا من النساء من كانت حاملا، و من كانت غير حامل قتلوها. فقال عمر بن شبّة في
خبره: سمعت أبي يقول: صعد الجحاف الجبل- فهو يوم البشر، و يقال له أيضا يوم عاجنة
الرّحوب، يوم مخاشن، و هو جبل إلى جنب البشر، و هو مرج السّلوطح لأنه بالرحوب- و
قتل في تلك الليلة ابنا للأخطل يقال له أبو غياث، ففي ذلك يقول جرير له:
/ و جعل ينادي: من كانت حاملا فإليّ، فصعدن
إليه، فجعل يبقر بطونهنّ. ثم إن الجحاف هرب بعد فعله، و فرّق عنه أصحابه و لحق
بالروم، فلحق الجحاف عبيدة بن همام التغلبيّ دون الدّرب، فكرّ عليه الجحاف فهزمه،
و هزم أصحابه و قتلهم، و مكث زمنا في الروم، و قال في ذلك: