لما
صنعنا شيئا، فاتبعوه فإذا هو في دجلة يصيح بالناس- و تغلب قد رمت بأنفسها تعبر في
الماء- فخرج من الماء و أقام في موضعه. فهذه الوقعة الحرجيّة لأنهم أحرجوا فألقوا
أنفسهم في الماء. ثم وجّه يزيد بن حمران و تميم بن الحباب و مسلم بن ربيعة و
الهذيل بن زفر في أصحابه، و أمرهم ألّا يلقوا أحدا إلا قتلوه، فانصرفوا من ليلتهم،
و كلّ قد أصاب حاجته من القتل و المال، ثم مضى يستقبل الشّمال في جماعة من أصحابه،
حتّى أتى رأس الأثيل، و لم يخلّ [1] بالكحيل أحدا- و الكحيل على عشرة فراسخ من
الموصل فيما بينها و بين الجنوب- فصعد قبل رأس الأثيل، فوجد به عسكرا من اليمن و
تغلب، فقاتلهم بقية ليلتهم، فهربت تغلب و صبرت اليمن. و هذه الليلة تسميها تغلب
ليلة الهرير. ففي ذلك يقول زفر بن الحارث، و قد ذكر أنها لغيره:
أغراه الأخطل
بشعره بأخذ الثار من تغلب ففعل وفر إلى الروم
فلما أن كانت
سنة ثلاث و سبعين، و قتل عبد اللّه بن الزبير هدأت الفتنة و اجتمع الناس على عبد
الملك بن مروان، و تكافّت قيس و تغلب عن المغازي بالشام و الجزيرة، و ظنّ كلّ واحد
من الفريقين أنّ عنده فضلا لصاحبه، و تكلم عبد الملك في ذلك و لم يحكم الصلح فيه،
فبيناهم على تلك الحال إذ أنشد الأخطل عبد الملك بن مروان و عنده وجوه قيس قوله:
ألا سائل الجحاف هل هو ثائر
بقتلى أصيبت من سليم و عامر
!______________________________ [1]
كذا في معظم الأصول، و في ف: «لم يخلف أحدا»، و في ج: «لم يتخلف أحد».