/ أ هكذا يقول الناس ويحك! ثم تظنّ أنّ ذلك قد
خفي و لم يعلم به أحد، فتسبّ الرجال و تعيبهم! فقال: و ما أنت و هذا؟ و ما علمك
بمعنى ما أردت؟ فقلت:
هذا أعجب من
ذاك. أتذكر امرأة تنسب بها في شعرك و تستغزر لها الغيث في أوّل شعرك، و تحمل عليها
التّيس في آخره! قال: فأطرق و ذلّ و سكن. فعدت إلى أصحابي فأعلمتهم ما كان من خبره
بعدهم. فقالوا: ما أنت بأهون حجارته التي رمي بها اليوم منّا. قال فقلت لهم: إنّه
لم يترني فأطلبه بذحل، و لكنّي نصحته لئلّا يخلّ هذا الإخلال الشديد، و يركب هذه
[2] العروض التي ركب في الطّعن على الأحرار و العيب لهم.
شدد والي مكة
في الغناء، فخرج فتية إلى وادي محسر و بعثوا لابن سريج فغناهم
أخبرني أحمد بن
عبد العزيز الجوهريّ و إسماعيل بن يونس قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق
الموصليّ قال حدّثني ابن جامع عن السّعيديّ عن سهل بن بركة و كان يحمل عود ابن
سريج قال:
كان على مكّة
نافع بن علقمة الكنانيّ، فشدّد في الغناء و المغنّين و النبيذ، و نادى في
المخنّثين. فخرج فتية من قريش إلى بطن [3] محسّر و بعثوا برسول لهم فأتاهم برواية
من الشراب الطائفيّ. فلمّا شربوا و طربوا قالوا: لو كان معنا ابن سريج تمّ سرورنا.
فقلت: هو عليّ لكم. فقال لي بعضهم: دونك تلك البغلة فاركبها و امض إليه. فأتيته
فأخبرته بمكان القوم و طلبهم إيّاه. فقال لي: ويحك! و كيف لي بذاك مع شدّة السلطان
في الغناء و ندائه فيه؟ فقلت له: أ فتردّهم؟ قال: لا و اللّه! فكيف لي بالعود؟
فقلت له: أنا أخبؤه لك فشأنك. فركب و سترت العود/ و أردفني.
فلمّا كنّا
ببعض الطريق إذا أنا بنافع بن علقمة قد أقبل، فقال لي: يا بن بركة هذا الأمير!
فقلت: لا بأس عليك، أرسل عنان البغلة و امض و لا تخف، ففعل. فلمّا حاذيناه عرفني و
لم يعرف ابن سريج، فقال لي بابن بركة: من هذا أمامك؟ فقلت: و من ينبغي أن يكون!
هذا ابن سريج. فتبسّم [ابن] علقمة ثم تمثّل:
فإن تنج منها يا أبان مسلّما
فقد أفلت الحجّاج خيل شبيب
ثم مضى و مضينا.
فلمّا كنّا قريبا من القوم نزلنا إلى شجرة نستريح، فقلت له: غنّ مرتجلا؛ فرفع صوته
فخيّل إليّ أنّ الشجرة تنطق معه، فغنّى: