زنباع
و أسيد بركبة يريغ الغيث في عشراوات [1] له وشول. قال: و بنو عامر قريب منهم و لا
يشعر بهم. قال عبد الحميد و أبو حيّة: بل بنو عامر بدمخ [2] و زهير بالنفرات و
بينهم ليلتان أو ثلاث. قال فقال أبو سرّار: فأتى الحارث بني عامر، و اللّه ما
تغيّر طعم اللّبن الذي زوّده [3] الحارث بن عمرو بن الشّريد السّلميّ/ حتى أتى بني
عامر فأخبرهم. قال أبو عبيدة أخبرني سليمان بن المزاحم المازنيّ عن أبيه قال: بل
كانت بنو عامر بالجريثة [4] و زهير بالنفرات، و كانت تماضر بنت عمرو بن الشّريد بن
رياح بن يقظة بن عصيّة بن خفاف السّلميّ امرأة زهير بن جذيمة و هي أمّ ولده. فمرّ
بها أخوها الحارث بن عمرو. فقال زهير لبنيه: إنّ هذا الحمار لطليعة عليكم فأوثقوه.
فقالت أخته لبنيها: أ يزوركم خالكم فتوثقوه و تحرموه! فخلّوه. فقالت تماضر لأخيها
الحارث: إنه ليريبني [اكبئنانك و قروبك، فلا يأخذنّ فيك] ما قال زهير؛ فإنه رجل
بيذارة غيذارة شنوءة [5]. قال: ثم حلبوا له وطبا و أخذوا منه يمينا ألّا يخبر عنهم
و لا ينذر بهم أحدا. قال أبو عبيدة: و زعم أبو حيّة النّميريّ أنه لمّا أتوه
بقراهم أراهم أنه يشربه في الظّلمة و جعل يهوي به إلى جيبه فيصبّه بين سرباله و صدره
أسفا و غيظا. قال: و كان الذي حلب له الوطب و قراه الحارث بن زهير، و به سمّي.
قال: فخرج يطير حتّى أتى عامرا عند ناديهم، فأتى حاذة [6] أو شجرة غيرها فألقى
الوطب تحتها و القوم ينظرون، ثم قال: أيتها الشجرة الذليلة اشربي من هذا اللبن
فانظري ما طعمه. فقال أهل المجلس: هذا رجل مأخوذ عليه [عهد] و هو يخبركم خبرا.
فأتوه فإذا هو الحارث بن عمرو، و ذاقوا اللّبن فإذا هو حلو لم يقرص بعد، فقالوا:
إنه ليخبرنا أنّ طلبنا قريب. فركب معه ستّة فوارس لينظروا ما الخبر، و هم خالد بن
جعفر بن كلاب على حذفة، و حندج بن البكّاء، و معاوية بن عبادة بن عقيل فارس
الهرّار و هو الأخيل جدّ ليلى الأخيلية- قال: و الأخيل هو معاوية، قال: و هو يومئذ
غلام له ذؤابتان، و كان/ أصغر من ركب- و ثلاثة فوارس من سائر بني عامر؛ فاقتصّوا
أثر السير، حتى إذا رأوا إبل بني جذيمة نزلوا عن الخيل. فقالت النساء: إنا لنرى
حرجة [7] من عضاه أو غابة رماح بمكان لم نكن نرى به شيئا، ثم راحت الرّعاء فأخبروا
بمثل ما للنساء. قال:
و أخبرت راعية
أسيد بن جذيمة أسيدا بمثل ذلك؛ فأتى أسيد أخاه زهيرا فأخبره بما أخبرته به
الرّاعية و قال: إنما رأت خيل بني عامر و رماحها. فقال زهير: «كلّ أزبّ [8] نفور»-
فذهبت مثلا؛ و كان أسيد كثير الشّعر خناسيا [9]- و أين بنو عامر! أمّا بنو كلاب
فكالحيّة إن تركتها تركتك، و إن وطئتها عضّتك. و أمّا بنو كعب فإنهم يصيدون اللأي
[1]
العشراء من النوق: التي مضى لحملها عشرة أشهر ثم لا يزال يطلق عليها هذا الاسم إلى
ما بعد الوضع، فهي بعد الوضع عشراء أيضا. قال ابن الأثير: قد اتسع في هذا حتى قيل
لكل حامل عشراء. و الشول: جمع شائلة، على غير قياس، و هي الناقة التي أتى عليها من
يوم نتاجها سبعة أشهر فخف لبنها و ارتفع ضرعها.