أخبرني الحسين
بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز عن المدائنيّ، و أخبرني ببعضه أحمد بن
عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثني عمر بن شبّة عن أبي بكر الهذليّ قال:
/ قال حسّان بن
ثابت: قدمت على النّعمان بن المنذر و قد امتدحته، فأتيت حاجبه عصام بن شهبر فجلست
إليه، فقال: إنّي لأرى عربيا، أ فمن الحجاز أنت؟ قلت نعم. قال: فكن قحطانيّا.
فقلت: فأنا قحطانيّ. قال: فكن يثربيا.
قلت: فأنا
يثربيّ. قال: فكن خزرجيا. قلت: فأنا خزرجيّ. قال: فكن حسّان بن ثابت. قلت: فأنا
هو. قال: أ جئت بمدحة الملك؟ قلت نعم. قال: فإني أرشدك: إذا دخلت إليه فإنه يسألك
عن جبلة بن الأيهم و يسبّه، فإيّاك أن تساعده على ذلك، و لكن أمرّ ذكره إمرارا لا
توافق فيه و لا تخالف، و قل: ما دخول مثلي أيّها الملك بينك و بين جبلة و هو منك و
أنت منه!. و إن دعاك إلى الطعام فلا تؤاكله، فإن أقسم عليك فأصب منه اليسير إصابة
بارّ قسمه متشرّف بمؤاكلته لا أكل جائع سغب، و لا تطل محادثته، و لا تبدأه بإخبار
عن شيء حتى يكون هو السائل لك، و لا تطل الإقامة في مجلسه. فقلت: أحسن اللّه
رفدك! قد أوصيت واعيا. و دخل ثم خرج إليّ فقال لي: ادخل. فدخلت فسلّمت و حيّيت
تحيّة الملوك. فجاراني من أمر جبلة ما قاله عصام كأنه/ كان حاضرا، و أجبت بما
أمرني، ثم استأذنته في الإنشاد فأذن لي فأنشدته. ثم دعا بالطعام، ففعلت ما أمرني
عصام به، و بالشراب ففعلت مثل ذلك. فأمر لي بجائزة سنيّة و خرجت.
فقال لي عصام:
بقيت عليّ واحدة لم أوصك بها، قد بلغني أنّ النابغة الذّبيانيّ قدم [1] عليه، و
إذا قدم فليس لأحد منه حظّ سواه، فاستأذن حينئذ و انصرف مكرّما خير من أن تنصرف
مجفوا، فأقمت ببابه شهرا. ثم قدم عليه الفزاريّان و كان بينهما و بين النعمان دخلل
(أي خاصّة) و كان معهما النابغة قد استجار بهما/ و سألهما مسألة النعمان أن يرضى
عنه.
فضرب عليهما
قبّة من أدم، و لم يشعر بأنّ النابغة معهما. و دسّ النابغة قينة تغنّيه بشعره:
يا دار ميّة بالعلياء فالسّند
فلمّا سمع
الشعر قال: أقسم باللّه إنه لشعر النابغة! و سأل عنه فأخبر أنه مع الفزاريّين،
فكلّماه فيه فأمنه.
و قال أبو زيد
عمر بن شبّة في خبره: لمّا صار معهما إلى النعمان كان يرسل إليهما بطيب و ألطاف مع
قينة من إمائه، فكانا يأمرانها أن تبدأ بالنابغة قبلهما. فذكرت ذلك للنّعمان، فعلم
أنّه النابغة. ثم ألقى عليها شعره هذا و سألها أن تغنّيه به إذا أخذت فيه الخمر،
ففعلت فأطربته، فقال: هذا شعر علويّ [2]، هذا شعر النابغة!. قال: ثم خرج في غبّ
سماء، فعارضه الفزاريّان و النابغة بينهما قد خضب بحنّاء فقنأ [3] خضابه. فلما رآه
النّعمان قال: هي بدم كانت أحرى أن تخضب. فقال الفزاريّان: أبيت اللّعن! لا تثريب
[4]، قد أجرناه، و العفو أجمل. فأمّنه و استنشده أشعاره. فعند ذلك قال حسّان بن
ثابت: فحسدته على ثلاث لا أدري على أيتهن كنت له أشدّ حسدا:
على إدناء
النّعمان له بعد المباعدة و مسامرته [5] له و إصغائه إليه، أم على جودة شعره، أم
على مائة بعير من